للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِى، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى. يَا عِبَادِى، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا. يَا عِبَادِى، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا. يَا عِبَادِى، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِى، إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ".

قَالَ سَعِيدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِىُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.

(...) حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّ مَرْوَانَ أَتَمُّهُمَا حَدِيثًا.

ــ

مستثنى من الجملة يدل على بطلان قولهم: إنه أراد [هدايته بالجملة.

قال القاضى: وقول أبى ذر فى أول الحديث] (١): فيما يرويه عن ربه، وقد جاء مثل هذا فى غير حديث عن ابن عباس وغيره، حجة فى جواز إطلاق هذا اللفظ في حق النبي - عليه الصلاة والسلام - فيما أوحى إليه.

وقوله: " ما نقص ذلك مما عندى إلا كما نقص المخيط إذا أدخل فى البحر ": معناه: إنه لم ينقص شيئاً، كما قال فى الحديث الآخر له: " لا يغيضها نفقة " (٢) أى لا ينقصها؛ لأن ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المقدر المحدد الفانى، وما عند الله هو (٣) رحمته وأفضاله على عباده، وهى صفاته الباقية التي لا تفنى، ولا يأخذها حد ولا حصر.

وقوله: " إلا ما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ": غاية فى باب التمثيل فى هذا، ويقرب لك أفهام بما يشاهد؛ فإن ماء البحر من أعظم المرئيات عياناً وأكثرها. ودخول المخيط فيه، وهى الإبرة التي يخاط بها، وخروجها لا ينقص شيئاً؛ إذ لا يعلق بها من ماء البحر


(١) سقط من ز، والمثبت من ح.
(٢) أحمد ٢/ ٣١٣، ٥٠٠.
(٣) فى ح: هى.

<<  <  ج: ص:  >  >>