للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٤ - (...) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلَا يَلْطِمَنَّ الْوَجْهَ ".

ــ

يقتضيه، وقولنا: جسم وصورة يتضمن التأليف والتركيب، وذلك دليل الحدوث. وعجباً لابن قتيبة فى قوله: صورة لا كالصور، مع كون هذا الحديث يقتضى ظاهره عنده خلق آدم على صورته، فقد صارت صورة البارى - سبحانه - على صورة آدم - عليه السلام - على ظاهر هذا على أصله، فكيف يكون على صورة آدم، ويقول: إنها لا كالصور. وهذا يناقض.

ويقال له أيضاً: إن أردت بقولك: صورة لا كالصور أنه ليس بمؤلف ولا مركب، فليس بصورة على الحقيقة، وأنت [مثبت] (١) تسمية تفيد فى اللغة معنى مستحيلاً عليه تعالى، مع نفى ذلك، فلم يعطِ اللفظ حقه ولم يجره على ظاهره.

فإذا سلمت أنه ليس على ظاهره فقد وافقت على افتقاره إلى التأويل وهذا الذى نقول به، فإذا ثبت افتقاره إلى التأويل قلنا: أختلف الناس فى تأويله، فمنهم من أعاد الضمير إلى المضروب، وذكر أن فى بعض طرق الحديث أنه سمعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قبح الله وجهك ووجه من أشبهك " أو نحو هذا، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال، أما على هذه الرواية - وهى شتم من أشبهه - فبين وجه هذا التعليل؛ لأنه إذا شتم مَن أشبهه وآدم يشبهه فكأنه شتم آدم وغيره من الأنبياء - عليهم السلام -[وإنما] (٢) ذكر الأول تنبيهًا عليه وعلى نبيه.

وأما على هذا الذى وقع فى كتاب مسلم فيحتمل أن يكون تعبدًا لله - سبحانه - بتخصيص الوجه لهذه الكرامة لشبهه بآدم هنا إجلالاً لآدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولا يبقى على هذا إلا أن يقال: فيجب أن يجتنب ما سواه من الأعضاء المشبهة لآدم، وجواب هذا: أنه لا يبعد أن يكون الله - سبحانه - يتعبد بما شاء الله، ولا تجعل هذه العلة جارية مطردة.

وقد اختص الوجه بأمور جليلة ليست فى غيره من الأعضاء؛ لأن منه (٣) السمع والبصر، وبالبصر يدرك العالم ويرى ما فيه من العجائب الدالة على عظم الله - سبحانه - وبالسمع يدرك الأقوال ويسمع أوامر النبى - عليه السلام - ونواهيه، ويتعلم به سائر العلوم التى منها معرفة الله - عز وجل - ومعرفة رسله - عليهم السلام - وفيه النطق الذى يميز به عن البهائم، وشرف به الإنسان عن سائر الحيوان، ومثل هذا التمييز لا يبعد أن يجعل سبباً


(١) فى هامش ح.
(٢) فى ح: ولهذا.
(٣) فى ح: فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>