للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ: " إِنِّى لأُعْطِى الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّه اللهُ فِى النَّارِ ".

٢٣٧ - (...) حدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ؛ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَىَ رَهْطًا، وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِمْ. قَالَ سَعْدٌ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ، وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْ مُسْلِمًا ". قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلْبَنِى مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالَكَ عَنْ فُلَانٍ، فَوَ اللهِ إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ

ــ

رضى الله عنهم - إلى هَلُمَّ جرّا.

وكل قول إذا حقق كان له وجهٌ وفى ظرف لا ينافى القول الآخر. فمن لم يستثن أخبر عن حكم نفسه فى الحال، وأما المآل فإلى العلام به، ومن استثنى أشار إلى غيب ما سبق له فى اللوح المحفوظ. وإلى التوسعة فى القولين ذهب من السلف الأوزاعى (١) وغيره، وهو قول أهل التحقيق نظراً إلى ما قلناه ورفعاً للخلاف (٢).

وقوله فى آخر الحديث: " إنى لأعطى الرجل وغيره أحب إلى منه، مخافة أن يكبه الله فى النار " وهذه الرواية الصحيحة: " يكبه "، بفتح الياء وضم الكاف، فعل ثلاثى من كب، ولم يأت فى لسان العرب فعل ثلاثيه معدى ورباعيه غير معدى على نقيض المتعارف إلا كلمات قليلة، منها هذا، يقال: أكب الرجل وكببته أنا، قال الله تعالى: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِه} (٣)، وقال: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّار} (٤).

ومثله: أقشع الغنم، وقشَعتْه الريح (٥)، وانسل ريش الطائر، ووبرُ البعير ونسلتُه، وأنْزَفت البئرُ: قلَّ ماؤها، ونزَفتُها أنا، وأمرأت الناقةُ إذا درَّ لبنها ومرَّأتها أنا، وأشنق البعير، رفَعَ رأسه، وشَنَقْتُه أنا (٦).


(١) هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، سبق بالمقدمة.
(٢) يريد أن المختلفين لم يتواردا، فكلٌّ راعى ما لم يراع الآخر، ورفع بعضهم الخلاف بين القولين بنظر آخر، فقول من قال: يستثنى، جعل الإيمان التصديق والعمل، والعمل يقع الشك فى حصوله، والشك فى جزء الماهية شك فى كلها، فلا بد أن يستثنى ويقول: أنا مؤمن إن شاء الله. ومن قال: لا يستثنى، جعله اسماً للتصديق فقط، والتصديق حاصل. فتح الملهم ١/ ١٨٤.
(٣) الملك: ٢٢.
(٤) النمل: ٩٠.
(٥) جاء فى اللسان: قشع الشىء قشَعاً: جفَّ.
(٦) فى اللسان: وأشنق هو، ولعل ما ذكره القاضى أدق وأدخل فى المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>