للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من كلام قول القدرية وتشنعهم على أهل السنة.

وفيه اختبار العلماء طلبة العلم وإلقاء صعاب المسائل عليهم ليعلموا (١) مقادير علمهم أو ليبينوا لهم مشكل ما تدعوهم ضرورته إليه مما عساهم لا يهتدون لسؤاله، أو يخافون خطأهم وغلطهم فيه.

وفيه جواز كلام أهل العلم فى هذا الباب، وتحاججهم، ومناظرتهم لإظهار الحجج لا للجدل. والمراد المغالبة. وأما ما ورد من نهى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجدال إنما هو فى مثل هذا الوجه المدفوع (٢)، أو لمن ليس من أهل العلم بهذا الشأن أو الجدال بالباطل ومقالات أهل البدع فيه.

وفى قوله: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " (٣) واحتجاجه بقوله تعالى فى الآية: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (٤) الحجة القاطعة أيضاً على الجبرية، وشرح لقوله: " إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار ".

وقوله فى الحديث الآخر: " بل شىء قُضى عليهم ومضى فيهم " قال أئمتنا المحققون: إن هذه الأحاديث اقتضت أن الله لم يزل عالماً من يطيعه فيدخله الجنة، ومن يعصيه فيدخله النار، وليس استحقاق من استحق منهم الجنة أو النار من أجل سابق علمه (٥) فيه، ولا ذلك عليه ولا اضطر عليه تعالى أحداً منهم للعمل الموجب لذلك من طاعة أو معصية الله تعالى جل جلاله. تقدم فيهم علمه وإرادته بما هم عاملون وما هم صائرون إليه قبل خلقهم وبعد خلقهم، وقال فى أهل الجنة: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٦)، وفى أهل النار: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (٧) و {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى} (٨).

فأخبر أن ثوابه وعقابه على أعمالهم، وكل ذلك فى سابق علمه فيهم فرحمة من رحمه منهم: بهدايته وتيسيره، وخذلان من خذله منهم بعصيانه وكفره. فأمر تعالى ونهى ليطيع المطيع فيدخل الجنة أو يعصى العاصى فيدخل النار، ابتلاء منه تعالى عباده لينظر كيف يعملون وليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وليتم حجته على خلقه بأمره ونهيه وتيسيره له سبيل هداه أو ضلالته، وتزيينه ذلك له، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى


(١) فى ح: ليعرفوا.
(٢) فى ح: المذموم، وكذا فى الرسالة.
(٣) حديث رقم (٧) بالباب.
(٤) الليل: ٧.
(٥) فى ح: العلم.
(٦) الأحقاف: ١٤.
(٧) فصلت: ٢٨.
(٨) النجم: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>