للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) حدثناه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، بِهذَا الإسْنَاد. غَيْرَ أنَّ فِى حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ بِشْرٍ وَوَكِيعٍ جَمِيعًا: " مِنْ عَذَاب فى النَّارِ، وَعَذَابٍ فِى القَبْرِ ".

ــ

هذا الوقت أو لا يعلمه، فواضح إحالة القول: إنه لا يعلمه، فإذا ثبت أنه يعلمه فليأخذ (١) العلم وحقيقته: معرفة المعلوم على ما هو به، فإذا فرضنا أنَّ زيداً علم الله أنه سيموت سنة خمسمائة، ثم قدرنا أنه مات قبلها أو مات [بعدها، أليس] (٢) يطلب حقيقة ذلك العلم ولم يكن علماً بل كان جهلاً؛ لأنه تعلق بالأمر على خلاف ما هو عليه، وقد فرضنا أن البارى - سبحانه - يستحيل الجهل عليه، فوجب ضرورة من مقتضى هذه المقدمات أنّ ما علمه البارى - عز وجل - من الآجال لا يتبدل ولا يتغير.

فإن كان السؤال عن الزيادة فى الأجل الذى علمه البارى - سبحانه - أو النقص منه، فالجواب: أنّ ذلك لا يصح لهذا الذى بيناه.

وإن كان السؤال عن الزيادة والنقص فى أجل غير الأجل الذى عند الله - تعالى - وفى غيبه، فذلك مما لا يمنع الزيادة فيه والنقصان؛ لأنّ ما سوى البارى وصفاته من سائر الأشياء مخلوق، والمخلوق يتغير ويتبدل ويزيد وينقص. قال الحذاق من أهل العلم بناء على هذا: ما وقع فى الظواهر من الزيادة فى العمر أو النقصان منه فيحمل ذلك على ما عند ملك الموت أو مَنْ وكله البارى - سبحانه - بقبض الأرواح، وأمره فيها بآجال محدودة، فإنه - سبحانه - بعد أن يأمره (٣) بذلك أو يثبته فى اللوح المحفوظ، لملك الموت ينقص منه ويزيد فيه، على حسب ما شاء حتى يقعِ الموت على حسب ما علم - تعالى - فى الأزل، وقد قال عز من قائل: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ اُمُّ الْكِتَابِ} (٤) [فأثبت المحو والإثبات وأخبر أن عنده أم الكتاب] (٥) وهذا يشير إلى ما قلناه، وإن كَان قد قيل فى الآية: محو الليل بالنهار [ومحو] (٦) النهار بالليل. وقيل: محو الأحكام المنسوخة بالناسخة لها، ولكن لا يبعد دخول ما قلناه تحت العموم إذا ثبت أصله، وتكون الآية مصداقاً لما قلناه على الجملة دون التفصيل.

وكذلك قوله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} (٧) يحل (٨) أن يحمل على ما قلناه، وإن كان قد قيل فيه أيضاً تأويل آخر. كما أن بعض أهل العلم أيضاً تأول قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} (٩) على أنّ المراد ينقص من عمره عن أبناء جنسه وأترابه.

وكذلك تأول بعضهم قوله فى صلة الرحم أنها تزيد فى العمر: أنّ المراد به الرزق؛ ولأن الفقر يعبر عنه بالموت. وأنكر بعضهم ذلك وقال: الرزق مفروغ منه كما فرغ من


(١) فى ح: قلنا: حد.
(٢) هكذا فى ح، وهو الصواب، وفى ز: بغيرها ليس، وهو خطأ.
(٣) فى ح: يأمر.
(٤) الرعد: ٣٩.
(٥) من هامش ح.
(٦) من ح.
(٧) الأنعام: ٢.
(٨) فى ح: يصح.
(٩) فاطر: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>