للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسِىءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ منْ مَغْرِبِهَا ".

(...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.

ــ

مسىء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها "، قال الإمام: المراد بهذا القبول على التائب؛ لأنه قد جرت العادة أن الإنسان إذا نول ما يقبله بسط يده إليه، وإذا رأى من يحبه بسط يده إليه، وإذا نول ما يكره قبض يده عنه. فخاطب العرب من حيث تفهم، وذكر أمثالاً محسوسة ليوكد معنى ما يريده فى النفس وأما يد الجارجة فمستحيلة على الله - سبحانه. والبسط والقبض من صفات الأجسام، واليد قد تطلق فى اللغة على النعمة، وهذا المعنى الشهور فى اللسان يقارب ما قلناه؛ لأن ما يقبله - سبحانه - من قبول توبة عباده من إحدى نعمه عليهم، وكذلك ما يفعله من النعم بالتائبين.

وأما إثبات اليدين لله - سبحانه - من غير أن تكون يدى جارجة، بل صفتين من الصفات قديمة أزلية فأثبتهما القاضى أبو بكر بن الطيب وغيره من أئمتنا؛ لقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (١)، فأثبت اليدين هنا صفتين قديمتين، لأن صرف اليد هاهنا عنده إلى النعمة لا يليق بهذا الموضع؛ لأن النعمة مخلوقة ولا يخلق مخلوق بمخلوق، وصرفها إلى القدرة يمنع منه التثنية، والقدرة واحدة بلا خلاف.

وأبو المعالى مال إلى نفى ذلك، وحمل القرآن على التجوز، وأن المراد أن الله - سبحانه - خلق آدم بغير واسطة، بخلاف غيره من بنيه، فكنى عن ذلك بأنه خلقه بيديه؛ لأنا إذا لم يكن بيننا وبين ما يكون من الأفعال وسائط عبر عن ذلك بأن يقال: فعلته بنفسى، وتوليته بيده. والقصد تميز آدم بالاختصاص. وقد يجمع الشىء تفخيماً وإن كان واحدًا، والعرب تفعل ذلك وهذا المعنى سلك الأئمة فى هذه الآية.

وإن قلنا بإثبات اليد على طريقة القاضى، فلابد من تأويل الحديث على نحو ما قلناه لذكر البسط فيه، وإنما يبقى النظر فى معنى اليد وإضافة هذا الأمر إليها.

قال القاضى: وقيل (٢) يحتمل أن اختصاصه النهار هنا والليل - وإن كانت التوبة مقبولة أى وقت كانت - فالمراد بذلك أوقات مخصوصة كثلث الليل، وبعد الزوال، والوقتين المشهودين وحضرة النداء؛ لما جاء من أن أبواب السماء تفتح فيها.


(١) ص ٧٥٠.
(٢) هكذا فى ز، وفى ح: وقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>