للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَيَفْقِدُونِى فَيَرْجِعُونَ إلىَّ، فَبَيْنَا أنَا جَالِسَةٌ فِى مَنْزِلِى غَلَبَتْنِى عَيْنِى فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ ابْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِىُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِىُّ، قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاء الجَيْشِ فَدَّلَجَ، فَأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِى، فَرَأى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائمٍ، فَأتَانِى فَعَرفَنى حِينَ رَآنِى، وَقَدْ كَانَ يَرَانِى قَبْلَ أنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ عَلَىَّ، فَاسْتَيْقَظتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِى، فَخَمَّرْتُ وَجْهِى بِجِلْبَابِى. وَوَاللهِ، مَا يُكَلِّمُنِى كَلِمَةً وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْر اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِى الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ، بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِى نَحرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِى شَأنِى، وَكَانَ الَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْن سَلُولَ. فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ، حِينَ قَدِمْنَا المَدِينَةَ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِى قَوْلِ أهلِ

ــ

وقوله: " فأدلج ": أى مشى بليل، يقال منه: أدلج وادَّلج. وقيل: لا يشدد إلا فى سير آخر الليل، وقد تقدم مستوفى الكلام فيه.

وقوله: " فاستمر الجيش ": أى ذهب، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} (١) أى ذاهب وهو استفعل من مر.

وقوله: " فرأى سواد إنسان ": أى شخصه، وكل شخص سواد.

وقولها: " فاستيقظت باسترجاعه ": أى بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا من صفوان لمعنيين: أحدهما: أنها مصيبة يجب الاسترجاع فيها؛ لنسيان امرأة عورة، وبقائها منفردة فى قفر وليل مظلم. والثانى: ليقيمها استرجاعه من نومها إذ صان حرمة النبى عن أن يناديها ويكلمها، وقد كان كما قالت: نزل الحجاب كما فعل عمر بتكبيره لينتبه النبى - عليه السلام - ولم يناده إكباراً له، وحرجاً من عموم النهى عن ذلك؛ ولأنه - عليه السلام - كان يوحى إليه فى نومه.

وقولها: " وظننت أن القوم سيفقدوننى فيرجعون إلى " الظن هنا بمعنى العلم، قال الله تعالى: {أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ} (٢).

وقوله: " فخمرت وجهى بجلبابى " أى سترته والجلباب كالمقنعة، تغطى به المرأة رأسها يكون أعرض من الخمار، قاله النضر وقال غيره: هو ثوب واسع دون الرداء، تغطى به المرأة ظهرها وصدرها وقال ابن الأعرابى: هو الإزار، وقيل: الخمار. وقيل: هو كالملاة والملحفة وبعض هذا قريب من بعض.

وقولها: " والناس يفيضون فى حديث أهل الإفك " أى يأخذون فيه.


(١) القمر: ٢.
(٢) المطففين: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>