للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِى. قَالَتْ وَأنَا، وَاللهِ، حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّى بَرِيْئَةٌ، وَأنَّ اللهَ مُبَرِّئى بِبَرَاءَتِى. وَلَكِنْ، وَاللهِ، مَا كنْتُ أَظُنُّ أنْ يُنّزَلَ فِى شَأنِى وَحْىٌ يُتْلى، وَلَشأنِى كَانَ أحْقَرَ فِى نَفْسِى مِنْ أنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِىَّ بِأمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّى كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِى الله بِهَا. قَالَتْ: فَوَاللهِ، مَارَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَه، وَلا خَرَجَ مِنْ أهلِ البَيْتِ أحَدٌ، حَتَّى أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأخَذَهُ مَا كَانَ يَأخُذُهُ مِن البُرحَاء، عِنْدَ الوَحْىِ، حَتَّى إنَّهُ لَيَتَحَدّر مِنْهُ مِثلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ فِى اليَوْمِ الشَّاتِ، مِن ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِى أُنَزِلَ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَضْحَكُ - فَكَانَ أوَّلَ كَلِمَة تَكَلَّمَ بِهَا أنْ قَالَ: " أبْشِرِى يَا عَائِشَةُ، أمَّا اللهُ فَقَدْ بَرَّأكِ ". فَقَالَتْ لِى أمِّى: قَومِى إلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ، لا أقُومُ إلَيْهِ، وَلا أحْمَدُ إلا اللهَ، هُوَ الَّذِى أنْزَلَ بَرَاءَتِى. قَالَتْ: فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ

ــ

إلى الطاعة، وهو بمعنى قوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} (١)، ويكون قبول توبتهم ورضاه بها كما جاء فى الحديث، وبمعنى ثبتها وأخلصها لهم. وقد يأتى بمعنى الرجوع بهم من التشديد إلى التخفيف، ومن الحظر إلى الإباحة لقوله: {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُم} (٢)، أى خفف. ومعنى " قلص دمعى ": أى ارتفع.

وقولها لأبيها وأمها: " أجب عنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه تقديم الكبير للكلام على الصغير فى المهمات، وفى مخاطبة أهل الأمر والموقرين. وقولهما: " ما ندرى " إذا كان الأمر الذى سألتهما ما لا يقفان منه على زائد على ما عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يأتيه الوحى، من حسن الظن بها والسير إلى الله تعالى. وفيه أنه لا يجب [لأحد أن يعترف] (٣) على نفسه بما لم يفعله، وإن علم أنه فى إنكاره يكذب وفى اعترافه يصدق لقرينة تدل على ذلك، بل لا يجب أن يقول إلا الحق.

وقولها: حين تلت: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [قيل: هو خبر عن مبتدأ محذوف دل عليه الكلام، أى فصبرى صبر جميل] (٤).

وقولها: " فما رام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسه ": أى ما برحه وما فارقه، والريم: البراح والنزول، يقال منه رام يريم، فأما من طلب الشىء فرام يروم.


(١) التوبة: ١١٨.
(٢) المزمل: ٢٠.
(٣) فى ح: أن يعترف أحد.
(٤) فى هامش ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>