للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

{أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (١) فى توحيد الله وصفاته.

قال القاضى: ولا خلاف بين أهل التحقيق أنه قبل نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائر الأنبياء منشرح الصدر بالتوحيد، والإيمان بالله، لا يليق به الكفر ولا الشك فى شىء من ذلك ولا الجهل به، ولا خلاف فى عصمتهم من ذلك - خلافاً لمن جوَّزه.

وحجة المانعين منه الطريقان المتقدّمان، والصحيح منهما النقل، فلو كان شىء من ذلك لنقل، بل تظاهرت الأخبار الصحيحة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن غيره من الأنبياء بصحة معرفتهم بالله وهدايتهم من صغرهم وتجنُّبهم عبادة غير الله، فقد عيَّرت قريش نبينا والأممُ أنبياءهم ورمتهم بكل آفة ورامت نقصَهم بكل جهة، وبرَّأهم الله مما قالوا، وقصَّ الله علينا من ذلك فى كتابه: {وقالوا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (٢)، و {إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوء} (٣) ولو كان أحدُهم عبدَ معهم معبودهم وأشرك بشركهم قبل نبوته لعيَّروه بِتلوَّنه فى معبوده، وقرَّعوه بفراق ما كان معهم عليه من ديانته، وكان ذلك أبلغ فى تأنيبهم لهم من أمرهم بمفارقة معبود آبائهم، وقد بسطنا الكلام فى هذا الفصل بما فيه مقنع فى غير هذا الكتاب، وجئنا بالأجوبة عما يُعْترَض به على هذا من ظواهر القرآن كقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} (٤)، وقوله: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (٥) وقول إبراهيم: {هَذَا رَبِّي} (٦) وأشباه هذا ومعانى هذه الآى وتأويلاتها فى كتابنا الشفا (٧).


(١) النحل: ١٢٣.
(٢) هود: ٦٢. وقد جاءت فى النسخ: " أتنهانا أن نعبد ما كاد يعبُدُ آباؤنا " وهو خطأ.
(٣) هود: ٥٤.
(٤) الضحى ٧. وليس هو من الضلال الذى هو الكفر " قال فى الشفا: " قيل: ضالاً عن النبوة فهداك إليها، وقيل: وجدك بين أهل الضَّلَال فَعَصَمَك من ذلك وهداك للإيمان وإلى إرْشادِهم، وقيل: ضالاً عن شريعتك، أى لا تعرِفُها، فهدَاك إليها " انظر: الشفا ٢/ ٧٢٤.
(٥) يوسف. ٣. قال القاضى: " إنه ليس بمعنى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} [يونس: ٧]، بل قد حكى أبو عبيد الهروى أن معناه: لمن الغافلين عن قصة يوسف؛ إذ لم تعلمها إلا بوحينا " الشفا ٢/ ٧٢٨.
(٦) الأنعام: ٧٦، ٧٨. قال القاضى: " قد قيل - فيها -: كان هذا فى سنِّ الطفولية، وابتداء النظر والاستدلال وقبل لزوم التكليف، وذهب معظمُ الحُذّاق من العلماء والمفسرين إلى أنه إنما قال ذلك مبَكتاً لقومه، ومستدلاً عليهم. وقيل: معناه: الاستفهام الواردُ مَوْرِدَ الإنكار، والمرادُ: فهذا رَبّى؟ قال الزجَّاج: قوله: {هَذَا رَبِّي} أى على قولكم، كما قال: {أَيْنَ شُرَكَائِي} [القصص: ٦٢، ٧٤] أى عندكم.
قال القاضى: " ويدلُ على أنه لم يعبُدْ شيئاً من ذلك، ولا أشرك قطُّ بالله طرفة عين قول الله عز وجل: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} [الشعراء: ٧٠]، ثم قال: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُون. أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٧٥ - ٧٧] وقال: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: ٨٤] أى من الشرك، وقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: ٣٥].
(٧) الشفا ٢/ ٧١٩ - ٧٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>