للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَقْبِض أصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا - أنَا المَلِكُ " حَتَّى نَظَرْتُ إلى المنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أسْفَلِ شَىْءٍ مِنْهُ حَتَّى إنِّى لأقُولُ: أسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.

ــ

سبحانه - أراد أنه يطوى السماوات والأرض بقدرته وكنى عن ذلك بذكر اليد لأن بها فعلنا نحن وبها تصرفنا، فخاطب بما يفهم وبما خرج إلى الحس والوجود؛ ليكون المعنى أوكد وأرسخ فى نفس السامع وذكر اليمين والشمال حتى يورد المثال على كماله ولما علم أنا نحن نتناول ما يكرم باليمين وما دونه بالشمال، وأنا نقوى بأيماننا على أشياء لا نقوى عليها بشمائلنا، وكانت السماوات أعظم بما لا يتقارب ولا يتدانى من الأرضين، أضاف فعله فيها إلى اليمين، وفعله فى الأرضين إلى الشمال على حسب ما قلناه من أنا نحاول الأصعب باليمين والأخف بالشمال وإن كان - سبحانه - ليس شىء أخف عليه من شىء ولا شىء أصعب من شىء ولكنه تعالى خاطبنا بما نفهم. ولما ذكر اليد تمثيلاً أتم المعنى على التمثيل بعينه، ولا يبعد أن يكون فى السماوات ما هو أفضل من الأرض وكل ما فيها، لا سيما إذا قلنا بتفضيل الملائكة على ما تقدم [و] (١) ذكر الخلاف فيه أن يكون البارى - سبحانه - يفضل السماوات لأمور تخفى عنا، فيكون أضافها إلى اليمين لما قلناه من اختصاص اليمين بالأشرف والشمال بما دونها، وجرى فى ذلك على حكم التمثيل الذى به افتتح فختم عليه، وهو الذى ظهر لى من هذا الحديث.

قال القاضى: اعلم أنه جاء فى هذا الحديث باختلاف رواياته ثلاثة ألفاظ: " يقبض " و " يطوى " و " يأخذ " والطى والقبض راجعان إلى معنى الجمع، وكلها بمعنى الجمع؟ لأن السماوات مبسوطة والأرض مدحوة ممدودة، وهما راجعان إلى معنى اللفظ الآخر، ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والزوال، وتبديل الأرض غير الأرض والسماوات، فعاد كل ذلك إلى ضمها بعضها إلى البعض ورفعها وإبادتها وتبديلها بغيرها.

وقبض النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصابعه بعد وبسطها، تمثيلاً لصفة قبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها، وحكاية للمقبوض والمبسوط التى هى السماوات والأرض لا عن [القبض والبسط] (٢) الذى هو صفة [القابض الباسط] (٣) لا إله غيره، ولا تمثيلاً لصفة الله السمعية المسماة باليد، التى ليست بجارحة ولا عضو ولا لها كيفية.

قيل: وقد يكون بسط النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصابعه وقبضها إشارة إلى الاستيعاب والكلية لجميع السماوات والأرضين ببسط اليد كلها وجمعها، كما يشير الإنسان بذلك إلى نفسه لجمع الشىء.


(١) من ز.
(٢) فى ح: البسط والقبض.
(٣) فى ح: الباسط القابض.

<<  <  ج: ص:  >  >>