للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٨٢ - (...) حدَّثنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِىِّ، سَمِعَ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (١) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِى صُورَتِهِ، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.

ــ

قال القاضى: اختلف السلف والخلف: هل رأى نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربَّه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة - كما تقدم ووقع هنا - وأنها سألت النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن آية النجم فقال: " ذاك جبريل " ونحوه عن أبى هريرة وجماعة من السلف. والمشهور عن ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المحدثين والمتكلمين، من امتناع رؤيته تعالى فى الدنيا على ظاهر قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} الآية (٢)، وذكر عن ابن عباس أنه رآه بعينه (٣)، وقال: اختص الله موسى بالكلام، ومحمداً بالرؤية، وإبراهيم بالخُلَّة، وحجته ظاهر (٤) قوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (٥) الآيات، ومثله عن كعب وأبى ذر والحسن (٦)، وكان يحلف على ذلك وحُكى مثله عن ابن مسعود وأبى هريرة أيضاً، وحكى عن ابن حنبل (٧) وغيره أنه رآه، وحكى أصحاب المقالات (٨) عن أبى الحسن الأشعرى وجماعة أصحابه أنه رآه، ووقف بعض مشايخنا فى هذا وقال: ليس عليه دليلٌ واضحٌ ولكنه جائز، ورؤية الله تعالى فى الدنيا جائزة غير مستحيلة، وسؤال موسى إيَّاها أدَلُّ دليل على جوازها، إذ لا يجْهل نبىٌّ ما يجوز على ربَّه ويمتنع، وجواب الله له: {لَن تَرَانِي} (٩) عند بعضهم نفى الاستطاعة على ذلك والاحتمال.


(١) النجم: ١٨.
(٢) الأنعام: ١٠٣.
(٣) الحديث أخرجه الترمذى عن ابن عباس ولفظه هناك: قال: " رأى محمد ربَّه " قلتُ - يعنى عكرمة -: أليس الله يقول: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبْصَار} قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذى هو نوره، وقد أريه مرتين. ثم قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ٥/ ٣٩٥ وقد نقله فى التحفة ناقصاً فقال: هذا حديث حسن ٩/ ١٦٩، وله من عكرمة عنه {مَا كَذَبَ الْفؤَادُ مَا رَأَى} قال: رآه بقلبه. ثم قال: هذا حديث حسن.
(٤) لفظ الترمذى عن كعب إنّ الله قَسَمَ رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلَّم موسى مرتين، ورآه محمدٌ مرتين. السابق.
(٥) النجم: ١١.
(٦) أخرج أحمد من حديث قتادة عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبى ذر: لو رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسألته. قال: وما كنت تسألهُ؟ قال: كنتُ أسأله: هل رأى ربَّه عز وجل؟ فقال: إنى قد سألتهُ فقال: " قد رأيتهُ نوراً، أنى أراه " المسند ٥/ ١٤٧. وقد أخرج النسائى عن يزيد بن شريك عن أبى ذر قال: رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه بقلبه ولم يره ببصره.
(٧) قلت: المنقول عن أحمد غير هذا، فقد ذكر الحافظ ابن كثير فى تفسيره فقال: " وقد حكى الخلال فى علله أن الإمام أحمد سئل عن هذا الحديث - يعنى حديث أبى ذر - فقال: ما زلتُ منكراً له، وما أدرى ما وجهه " ٧/ ٤٢٨.
(٨) راجع: مقالات الإسلاميين ٢١٥.
(٩) الأعراف: ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>