للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لَبِشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (١) قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئاً منْ كِتَابِ اللهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (٢) قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِى غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. وَاللهُ يَقُولُ: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (٣).

٢٨٨ - (...) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. وَزَادَ: قَالَتْ: وَلَوْ كَانَ مَحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِماً شَيْئًا مِمَّا أُنزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسَكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أن تَخْشَاهُ} (٤).

ــ

وقول عائشة واحتجاجها بالآية: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} الآية، قد استدل بالآية نفسها بعض المشايخ أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه دون حجاب، وكلمه دون واسطةٍ ولا رسولٍ، وقال: هى ثلاثة أقسام: من وراء حجاب كتكلم موسى، وبإرسال الملائكة بالوحى كحال جميع الأنبياء وأكثر أحوال نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الثالث: قوله: " وحياً " ولم يبق من تقسيم صُوَر المكالمة إلا كونها مع المشاهدة.

وقد قيل: الوحى هنا هو: ما يلقيه فى قلب النبى دون واسطة (٥).

وقولها: " لو كان كاتماً شيئاً لكتم قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْه} " الآية، قال القاضى: لا يجب أن يُتأوّل فى قول عائشة وفى الآية ما ذكر عن بعض من لم يحقق من المفسرين فيها من الشناعة، من أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَرَ زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقَها، وأنه الذى أخفى فى نفسِه (٦)، إذْ لا يَصحُّ عنه فلا تسترب أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنزَّهٌ عن مثل هذا، ومن مدِّ عيْنيه إلى ما نهاهُ الله عنه ممَّا متَّع الله بِه غيرهَ من زهرة الدنيا (٧). وأصح ما فى هذا ما حُكى عن على بن حسين أن الله تعالى أعلم نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكونها له زوجاً، فلما شكاها زيدٌ قال له: أمْسِك، وأخفى فى نفسه ما أعلمه الله به مما الله مبديه بطلاق


(١) الشورى: ٥١.
(٢) المائدة: ٦٧.
(٣) النمل: ٦٥.
(٤) الأحزاب: ٣٧.
(٥) وهو الأقرب.
(٦) انظر على سبيل المثال: ما نقله الطبرى من الروايات السقيمة فى ذلك وما وقع فيه النسفى.
(٧) يقول جل جلاله: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهَرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ١٣١].

<<  <  ج: ص:  >  >>