للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُكشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةٌ وَاحِدَةً، كلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفعُونَ رُؤوسَهمْ، وَقَدْ تَحَوّلَ فِى صُورَتِهِ الَّتِى رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ.

ــ

يَسْتَهْزِئُ بِهِم} (١)، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه} (٢) وقد جاءت هذه اللفظة فى البخارى: " فيأتيهم فى الصورة التى لا يعرفونها وفى الصورة التى يعرفون " (٣) من غير إضافةٍ، وهى أبين وأقرب لتأويل الصفة.

والصورة قد ترجع فى اللّسان إلى معنى الصفة ومعنى الحقيقه، كقولهم: صُورَةُ هذا الأمرِ وصورة الحديث كذا، أى حقيقته وصفته، وإليه يرجعُ قولهُ: " الصورة التى رأوه فيها أولاً " أى علموه من تنزيهِهِ وتقديسه، واعتقدوه من أنه لا يشبُههُ شىء. وقد زلَّ من لم يُحَصِّل كلامه مِمِّن تقدم فى هذا الباب فأثبت صورةٌ لا كالصُّور، وهذا تناقضٌ وتجسيم محض، نعوذ بالله. وكذلك يرجعُ معنى قوله فى الحديث الآخر (٤) فى أدنى صورةٍ من التى رأوه فيها أولاً. قال الخطابى: ويحتمل أن يكون إنما حجبهم فى المرة الأولى لأجل من كان معهم من المنافقين [حتى يُميَّزوا عنهم، قال: ويحتمل أن يكون الاستعاذةُ من المنافقين] (٥) وهم المُراد، وإن كان اللفظُ عموماً كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (٦)، وإنما قاله المنافقون. قال: وفحوى الكلام يدُلُّ أنَّه قول المنافقين، يعنى فى الحديث.

قال القاضى: لا يصح أن يكون من قول المنافقين، ولا يستقيم الكلامُ به فتأمَّله وعوِّل على ما ذكرناه.

وقوله: " فيرفعون رؤوسهم وقد تحول فى صُورته التى رأوه (٧) فيها أولاً: " فيقولون أنت ربُّنا " كله إن شاء الله راجع إلى عظيم ما أراهم من عجائب قدرته وباهر سلطانِه، فأراهم أولاً ما امتحنهم به حتى ظهر صحةُ إيمانهم ويقينهم ومعرفَتِهم، ثم قلب لهم ذلك وحوَّل محنتهم بأمانِهِم وفتنتهُم بتثبيتهم، وأظهر لهم من حقيقة سلطانه وباهر آياته وعظيم ملكوتهِ ما لا يشكون فى صحتِه، ويستدلُون على أن ذلك الذى عرفوه وحققوه قبل له ولا يليق بغيره، فيتجلى لهم عند ذلك فيقولُ: أنا ربُّكُم، فيقولون: أنت ربنا.

وفى الحديث إيمانُ المؤمنين حينئذ برؤية الله تعالى، كما آمنوا بذلك قبلُ، لانتظارِهم


(١) البقرة: ١٤، ١٥ وقد جاءت فى الأصول: " يستهزءون الله يستهزئ بهم ".
(٢) آل عمران: ٥٤.
(٣) البخارى، ك الرقاق، ب الصراط جسر جهنم، وهو جزء حديث عن أبى هريرة، ولفظه: " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتهم الله فى غير الصورة التى يعرفون، فيقولُ: أنا ربكم، فيقولون: نعوذُ بالله منك هذا مكاننُا حتى يأتينا ربُّنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فى الصورة التى يعرفون، فيقولُ: أنا ربُّكُم، فيقولونَ: أنتَ ربنا، فيتبعونه، ويضرب جسرُ جهنم " ٨/ ١٤٧.
(٤) فى ت: للآخر. ويعنى بالحديث الآخر رواية أبى سعيد من حديث عطاء.
(٥) سقط من ت.
(٦) آل عمران: ١٧٣.
(٧) رسمت فى الأصل هكذا: رأب.

<<  <  ج: ص:  >  >>