للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولذلك سميت آيةُ التيمم ولم تسم آية الوضوء، وحجة الآخر أنها جاءت بحكم التيمم ورخصته فسميت به، والوضوء قد كان مشروعاً قبل لكن غير فرض (١)، فلم يُحدِث فيه حكماً مؤتنفاً إنما أكَدتْ حكمه من السنة إلى الفرض، وقد روى أن جبريل همز للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبيحة الإسراء بعقبه فتوضأ وعلَّمه الوضوء (٢)، وكذلك ذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله: {إِذَا قُمْتُمْ} (٣): أى أردتم القيام، وذهب قومٌ إلى أن ذلك قد نسخ بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٤)، وقيل: الأمرُ بذلك لكل صلاة على الندب، ويُذكَرُ مثله عن على بن أبى طالبٍ، ولأنه لو كان الوضوءُ واجباً على كل قائمٍ للصلاة لم يكن لذكر الأحداث فى الآية معنى، وقيل: بل لم يُشرع إِلَّا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاةٍ مستحب، وعلى هذا اجتمع رأى أئمة الفتوى بعد بغير خلاف. ومعنى قوله عندها أوَّلاً: {إِذَا قُمْتُمْ}: أى مُحدثين أو من النوم (٥). وقيل: بل كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتزم تجديد الوضوء لكل صلاة، ثم جمع بين صلاتين بوضوء واحدٍ ليُرىَ الرُّخصة فى ذلك للناس، وأما الوضوء لغير الفرائض فذهب بعضُهم [إلى] (٦) أن الوضوء [يُحكم له] (٧) بحكم ما يفعلُ له من نافلةٍ أو سنةٍ، وذهب بعضهم إلى أنه فرض على كل حال ولكل عبادةٍ، لا تستباح إِلَّا به؛ لأنه إذا عزم على فعلها فالمجىء بها بغير طهارةٍ معصية واستخفاف بالعبادة، فلزم المجىء بشرطها فرضاً، كما إذا دخل فى عبادة نفلاً، ووجب عليه تمامُها لهذا الوجه.


(١) قول محجوج بما نقله ابن العربى عن علماء المالكية تفسيراً لهذا القول قال: معنى قول علمائنا: إن الوضوء كان بمكة سنةً، معناه. كان مفعولاً بالسُّنَّةِ، فأما حكمه فلم يكن قط إِلَّا فرضاً. أحكام القرآن ٢/ ٥٥٨.
(٢) الحديث أخرجه ابن إسحاق فى السيرة بلفظ: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فرض الله - سبحانه - عليه الصلاة ليلة الإسراء، ونزل جبريل ظهر ذلك اليوم ليُصلِّى به، فغمز الأرض بعقبِه، فأنبعت ماء، وتوضأ معلماً له، وتوضأ هو معه، وصلَّى فصلَّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال ابن العربى: وهذا صحيح، وإن كان لم يروه أهل الصحيح، ولكنهم تركوه لأنهم لم يحتاجوا إليه، وقد كان الصحابةُ والعلماءُ يتغافلون عن الحديث الذى لا يحتاجون إليه، ويكرهون أن يبتدئوا بذكره حتى يُحتاج إليه، بخلاف القرآن. أحكام القرآن ٢/ ٥٥٨.
(٣) المائدة: ٦. قال ابن العربى: وكذلك كنا نقول، أخذاً بظاهر الآية، ونحن - يقصد المالكية - ممن يأخذ بظاهر الخطاب. أحكام القرآن ٢/ ٥٦٠.
(٤) وقوله: وذلك فيما أخرجه أبو داود والترمذى والنسائى عن ابن أبى بردة عن أبيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ لكل صلاةٍ، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر: فعلت شيئاً لم تكن تفعله؟ فقال: " عَمْداً فعلته ". قال فيه الترمذى: " هذا حديث حسن صحيح " ١/ ٨٩. وفى قول القاضى: {إِذَا قُمْتُم}: أى أردتم، ما يشعر بفرضية النية فى الوضوء؛ لأن الوضوء حالة القيام إلى الصلاة لا يمكن، والإرادة هى النية.
(٥) قال ابن العربى: ذكر العلماء أَنَّ هذه الآية - المائدة: ٦ - نزلت فى النائمين - من أعظم آيات القرآن مسائل، وأكثرها أحكاماً فى العبادات، وبحقٍّ ذلك، فإنها شطر الإيمان، ولقد قال بعض العلماء: إن فيها ألف مسألة، قال: واجتمع أصحابنا بمدينة السلام فتَتَبعوها فبلغوها ثمانمائة مسألة، ولم يقدروا أن يبلغوها الألف. أحكام القرآن ٢/ ٥٥٨.
(٦) و (٧) من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>