للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابن شِهَابٍ: وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ: هَذَا الْوضُوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ للِصَّلاةِ.

٤ - (...) وحدّثنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ حُمْرَانَ - مَوْلَى عُثْمَانَ - أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثُ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِى الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِى هَذَا، ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لا يحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ".

ــ

ليسا بحقيقة تكرار، وإنما هو لاستيعاب المسح بقلب الشعر، إِلَّا تراه بماءٍ واحدٍ، وليستْ سنة التكرار، ولا خلاف أَنَّ ما زادَ على الواحدةِ إذا أسبَغَتْ ليس بواجب، واختلفت عبارةُ شيوخنا فى الزائد على واحدةٍ هل هو سُنة أوَ فضيلة؟ أو الثانيةُ سنةٌ والثالثةُ فضيلة؟ ولم يُحبَّ مالك الاقتصارَ على واحدة إِلَّا للعالِمِ مخافَةَ إِلَّا يُحسِن الاستيعابَ بها (١)، قال علماؤنا: وإنما الاختلافُ من فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الوضوء مرةً أو مرتين أو ثلاثاً ليُرى الرُّخصةَ لأمته والتسهيل، وبيان الفرض من الزيادة عليه، وأما ما جاء فى ذلك من الاختلاف فى حديث عثمان وعبد الله بن زيد فى ذكر ترك الثلاث فى بعض واستيعابها فى بعض، أن ذلك من الرواة، فمرةً ذكر بعضُهم العدَدَ ومَرَّةً تركه، ومنهم من نسى ذلك فى بعض، إذ قد وجدنا هذا الخلاف فى الحديث الواحد وفى القصة المعينة التى إنما فُعِلَتْ مرَّةً، فَدَلَّ أَنَّ الاختلاف من الرواة، ويصح التأويل المتقدم فيما جاء منها فى غير الحديث الواحد كحديث ابن عباس مع حديث عثمان وعبد الله بن زيد، فأمَّا إذا وجدنا الخلاف فى حديث عثمان بعينه وحديث عبد الله بن زيد ولم يكونا إِلَّا فى مرةٍ واحدةٍ وصفةٍ واحدةٍ، علمنا أنه من الرواة، وأثبتنا ما زاد ثقاتُهم، والأظهرُ فيما فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما حُكى عنه من ذلك من قولهم: " فغسل وجهَه ثلاثاً "، ومثلُه أنها أعدادُ الغَسَلات لا أعداد الغرفاتِ، كما ذهب إليه بعضُهم، وأنه أتى بما بَعْدَ الأولى للكمال والتمام، وهذا احتمال بعيد، لقولهم غَسَل ولم يقولوا: غرف، ولعدَم الزيادةِ على الثلاث، ولو كان التمامُ (٢) لم يقف على حدٍّ، ولأنه موضعُ بيانٍ وتعليم لا يمكن إغفالُه بتَّة.


(١) انظر: المنتقى ١/ ٣٥، وفيه أن الواجب فى الوضوء مرة، وأما النفل فمرتين وثلاثاً.
(٢) فى ت: لتمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>