للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إذا استعملت] (١) ما أمَرْتُك بهِ، واتعظت بعظتى.

قال الإمام: هذا اللفظ وشبهه يجرى على ألسنة العرب من غير قصد للدعاء، وعلى ذلك يحملُ ما وقَع له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع زوجتيه المذكورتين، وقد وقع فى رسالةٍ للبديع إذ قال: وقد يوحِشُ اللفظ وكله ودٌّ، ويُكرَّه الشىء وليس من فعله بُدٌّ، هذه العربُ تقول: لا أبَ لك للشىء؛ إذا أهم، وقاتَله الله، ولا يريدون الذمَّ، وويلُ أمه للأمر؛ إذا تمَّ، وللألباب فى هذا الباب أن ينظروا إلى القول وقائله، فإن كان ولياً فهو الولاء وإن خَشُنَ، وإن كان عدواً فهو البلاء وإن حَسُن. قال الهروى: وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حديث خُزيمة: " أنعم صباحاً تربَتْ يداك " يدل على أنه ليس بدعاءٍ عليه، [بل هو دعاء له] (٢)، وترغيبٌ فى استعمال ما تقدمت الوصاةُ به (٣)، ألا تراه قال: أنعم صباحاً ثم أعقبها تربت يداك، والعرب تقول: لا أمَّ لك ولا أبَّ لك يريدون لله درُّك، ومنه قول الشاعر

هَوَتْ أمُهُ ما يبْعَثُ الصبحُ غادياً ... وماذا يؤدى الصبحُ حين يؤوب

وظاهره أهلكه الله، وباطنه لله درَّه.

قال القاضى: اختُلِفَ فى معنى تَرِبَتْ يداك على ما ذكره، وقال ابن نافع: معناه: ضعُفَ عقلُك (٤)، وقال ابن حبيب عن مالك (٥): معناه: خَسِرْتَ، وقيل: افتقرت يداك من العلم، قيل: أى إذا جهلت مثل هذا، وقال الأصمعى (٦): معناه: الحض على تعلم مثل هذا، كما يقال: انج ثكلتك أمُّك، وقيل: " تربت يداك ": أصابها التراب، ولم يرد الفقر، وقال الداودى: إنه قيل بالثاء المثلثة، أى استغنت، من الترب وهو الشحم، وهى لغةٌ للِقبْطِ، ثم استعملتها العرب وأبدلت من الثاء تاءً، وهذا ضعيفُ المعنى ولا تساعده الروايةُ، وَالمعروف بالتاء، والأظهر أنه خطابٌ على عادةِ العرب فى استعمال أمثال هذه الألفاظ عند الإنكار للشىء أو التأنيث (٧) فيه والحض عليه، أو الإعجاب به والاستعظام له ومعناها مُلغىً لا يُقصَدُ، كأنَّ أصله من اللصوق بالتراب أو من الفقر كسائر أصول تلك الألفاظ المستعملة، وليس المرادُ فى شىء منها أصل استعمالها، وقيل فى معنى تفسير من فسَّره استَغْنَتْ: أنه خاطبها بضد مقتضى اللفظ على طريق التعريض كما قال الله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيم} (٨)، وكما يقال لمن ترك السؤال: أَمَّا أنت فاستغنيتَ عن السؤال. وأما البيت الذى استشهد به الهروى فهو من هذا الباب،


(١) فى ت: إذا لم تستعمل، وهو خطأ نساخ.
(٢) من المعلم.
(٣) غريب الحديث ٢/ ٩٣.
(٤) فهو إذن على الخبر، أى تبيَّن ضعف عقلك وعلمك، وليست دعاءً، لأن ضعف العلم والعقل ضرر فى الدنيا، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزَّهٌ عن أن يدعو به.
(٥) و (٦) المنتقى ١/ ١٠٥.
(٧) فى ت: للتأنيث.
(٨) الدخان: ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>