للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣٥٣) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَأَنَا أُحَدِّثُهُ هَذَا الحَدِيثَ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَوَضَّؤُوا ممَّا مَسَّتْ النَّارُ "

ــ

قال القاضى: واختلف السلف فى الوضوء مما مسته النار، وكان الخلاف فيه زمن الصحابة، ثم استقر رأى فقهاء الفتوى وإجماع العلماء بعدُ على أنه لا ينقض الطهارة وأن الأحاديث الواردة فى ذلك منسوخةٌ بما ورد بتركه الوضوء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما مسَّتِ النار، وبأنه آخر الفعلين منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١)، وقيل: وضوؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك قضيَّة فى عين لم يأت البيان أَنَّ الوضوء منها، فقد يكون لسبب آخر اقتضاه أو لنقضِ طهارِة أو تجديدها، وقيل: كان أمره بذلك أولاً لما كانت عليه الجاهلية والأعراب من قلة التنظيف فأراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغيير ذلك وعلقَهُ لهم بشريعة الوضوء، فلما رأى استقرار النظافة فيهم والتزامهم له نسخ ذلك بتخفيف الحرج فى لزومه لهم، وذهب بعضهم إلى تأويل ذلك وأمره به بالوضوء اللغوى وهو غسل اليد والفم من دسَمِه وزهومته (٢)، كما جاء أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمضمض وقال: " إِنَّ له دسماً "، ويكون الأمر بذلك على الاستحباب لا على الوجوب، ولئلا يشغَله ما بقى من ذلك فى فيه من طعمه أو إزالته عنه عن صلاته، أو يعثِّره ما تعلق من ذلك بأسنانه عن إقامة بعض حروف قراءته، أو لما يُحدث بقاؤه وتغيُره فى الفم من رائحةٍ وبخر.


(١) الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ من الآثار ١٥٧.
(٢) قال ابن عبد البر: وهذا لا معنى له عند أهل العلم، ولو كان كما ظن هذا القائل لكان دسم ما لم تمسه النار وودك ما لم تمسه النار لا يتنظف منه، ولا تغسل منه اليد. قال: وهذا لا يصح عند ذى لب، وتأويله هذا يدل على ضعف نظره، وقلة علمه بما جاء عن السلف فى هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>