للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَليْهِمُ المَاءُ، أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللهِ: أَلمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ: بَعَثَنى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِى الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لهُ، فَقَالَ: " إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا " ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلى اليَمِينِ، وَظاهِرَ

ــ

وقولُ عمارٍ: " فتمرَّغتُ كما تتمرغُ الدابَّةُ ": هو بمعنى ما جاء فى الرواية الأخرى: " فتمعكتُ فيه " لأنه لم يحمل الآية على عموم الأحداث.

وفيه جواز الاجتهاد فى زمان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الضرورة والبعد منه، كما قال معاذٌ - رضى الله عنه - له: " أجتهد رأيى " (١)، واستعمال القياس، لأنه لما رأى آية التيمم فى الوضوء فى بعض الأعضاء - إذ (٢) كان الوضوء مختصاً ببعض الأعضاء - وكان طُهر الجنابة لعموم الجسد استعمل التيمم بالتراب (٣) فى جميع الجسد.

وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما كان يكفيك هكذا - وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما " يحتج به فى نفض اليدين، وقد أجاز مالك النفض الخفيف فى ذلك. وهو قول الكوفيين.

وقوله: " فمسح بها وجَهه وكفيه ": فى ظاهره حجةٌ لمن يرى الفرض ضربةً واحدةً، وهو قول بعض أصحابنا، ودليل قول مالكٍ، وأنه لا إعادة على من فعله أو يُعيد فى الوقتِ، وأن الضربة الثانية عنده سنةٌ، وجمهور العلماء على أنه لا يجزيه إِلا ضربتان، وهو قول بعض أصحابنا، وجعله بعضهم قول مالك (٤)، ويحتج بها - أيضاً - من يقول: التيمم إلى الكوعين، وهو قول جماعة من العلماء وفقهاء أصحاب الحديث وبعض أصحابنا، وتأولوها على رواية ابن القاسم عن مالك فيمن صلى بذلك أنه يعيد فى الوقت، والمعروف من مذهب مالك أن فرضه إلى المرفقين، وهو قول أكثر أئمة الفتوى والسلف (٥).

وقوله فى الرواية الأخرى: " يمسح الشمال على اليمين وظاهِرُ كفّه ": تفسيرٌ لصفة المسح وعمومه. وإنكار عُمَر الخبَرَ على عمّارٍ لأنه حدثه أنه كان حاضراً له عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يذكره، وقول عمارٍ له: " إن شئت لِما جعل اللهُ علىَّ من حقك لم أُحَدِّث به " لما يلزم من طاعة الأئمة والرجوع إلى مذاهبهم، وتقليد من لم يبلغ منزلتهم فى العلم لهم، لا سيما مسألةً وقع فيها الخلاف بين اثنين من نقل قضيَّةٍ أثبتها أحدُهما ونفاها الآخر،


(١) حديث ضعيف أخرجه أبو داود.
(٢) فى ت: إذ لو.
(٣) فى ت: فى الوضوء، وهو خطأ نساخ.
(٤) المنتقى ١/ ١١٤. والقول بضربة واحدة قول عطاء، أما مالك فقال: يضرب ضربة لوجهه وضربة لليدين ويمسحهما إلى المرفقين، وله قول آخر: بإجزاء ضربة واحدة روى عن ابن القاسم.
(٥) المنتقى ١/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>