للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْلى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِيِنَةَ يَجْتَمِعُونَ. فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ، وَليْسَ يُنَادِى بِهَا أَحَدٌ، فَتَكَلَمُوا يَوْمًا فِى ذَلِكَ. فَقَالَ

ــ

وقوله: " كانوا يتحينون الصلاة ": أى يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه، لا أنهم كانوا يتحينون وقت جواز صلاتها، فإن ذلك يُعرف ضرورة معرفة أوقاتها، والحينُ: الوقتُ من الزمان، وتشاورهم فيما يتخذون لها علماً يجتمعون إليه يدلُ على ما قلناه، وفى ذلك: التشاور فى الأمور المهمة كانت مما يتعلق بالدين أو بالدنيا. ويستدل به من يجيز اجتهاد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الشرعيات، لكن هذه بالمصالح أشبه؛ لأن المقصد فى ذلك اتفاقهم على شىء يكون علماً لاجتماعهم لئلا يستضرون بالبكور إلى تحصيله قبل وقته وتتعطل بذلك معايشهم أو يتأخرون فتفوتُهم الجماعة (١).

وذكر فى الخبر أن عمر أشار عليهم بالنداء وقال: " ألا تبعثون رجلاً ينادى بالصلاة "، فظاهره أنه إعلام ليس على صفة الأذان الشرعى، ولكن إعلام بالصلاة كيف كان، كما


(١) للأصوليين فى اجتهاد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما لا نص فيه مذاهب سبعة:
الأول: جواز الاجتهاد مطلقاً شرعاً وعقلاً، سواء أكان فى الأحكام الشرعية أم المعاملات العامة كالأقضية والخصومات من غير تقييد بإنتظار الوحى. وإلى هذا ذهب عامة الأصوليين، ومالك والشافعى فى المشهور عنه، وأحمد بن حنبل، وعامة أهل الحديث، وهو منقول عن أبى يوسف من الحنفية على تفصيل فيه.
الثانى: مثل الأول لكن بشرط انتظار الوحى مدة تقدر بخوف فوات الغرض الصحيح، وذلك بأن تعرض عليه الحادثة التى لا وحى ظاهر فيها، فينتظر، فإن لم ينزل عليه وحى بعده كان ذلك دليلاً على أنه مأذون له فى الاجتهاد، بل ومأمور به، حتى لا تترك الحادثة بغير حكم، وإلى هذا ذهب جمهور الحنفية.
الثالث: لا يجوز له الاجتهاد مطلقاً، لا عقلاً ولا شرعاً، وهو قول الجبائى وابنه أبو هاشم من المعتزلة.
الرابع: يجوز له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاجتهاد عقلاً، لكنه لم يتعبد به شرعاً، بمعنى أن الاجتهاد منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يترتب على فرض وقوعه محال لذاته ولا لغيره، أما عدم تعبده به شرعاً فلقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يوحَى} [النجم: ٣، ٤]، وقد رد عليه بأن الاجتهاد منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو من قبيل الوحى الباطن، لا من قبيل الرأى وهوى النفس المنفى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الآية.
الخامس: أنه يجوز له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاجتهاد فى الحروب والأمور الدنيوية، ولا يجوز له فى الأحكام الشرعية. حكاه السراج الهندى.
السادس: أنه يجوز له فى الحروب فقط، ولا يجوز فى غيرها، وهو محكى عن القاضى والجبائى.
السابع: التوقف وعدم القطع بشىء من ذلك، وهو منسوب إلى الشافعى، واختاره الغزالى لتعارض المدارك؛ لأن القول بترجيح رأى معين فيه ترجيح لأحد الدليلين المتساويين على الآخر بلا مُرجِّح، والترجيح بلا مرجح باطل.
راجع: كشف الأسرار ٣/ ٩٢٤، تيسير التحرير ٤/ ١٨٤، حاشية البنانى على جمع الجوامع ٢/ ٤٠٤، المحصول ٢/ ٢٢، الأحكام للآمدى ٣/ ٢٤٢، المستصفى ٢/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>