للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد ذكر أصحاب المسندات أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُلِّم الأذان على صفته ليلة الإسراء (١)، وفى حديث آخر ذكره أبو داود فى مراسيله وغيره: أن عُمَر لما رأى الأذان فى المنام أتى يُخبرُ به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد جاء الوحى بذلك فما راعَهُ إِلا بلالٌ يؤذن، فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سبقك بذلك الوحى " (٢)، وذكر فى غير الأم كراهة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أشاروا به من الناقوس والبوق والنار وتعليل ذلك؛ لأنه فعل غيرهم ممن تقدَّمهم من أهل الملل.

وقوله: " قم يا بلال فناد بالصلاة ": حجةٌ لشرع الأذان والقيام له، وأنه لا يجوز أذان القاعد عند العلماءِ إِلا أبا ثورٍ فأجازه، وبه قال أبو الفرج من أصحابنا، وأجاز مالك وغيرُه لعلَّةٍ به إذا أذَّن لنفسه (٣)، إذ المقصود من الأذان الإعلام وهو معنى الإعلام ولا يتأتى من القاعد. ومضمن الإعلام فيه لثلاثةِ أشياء: لدخول الوقت، والدعاء للجماعة ومكان صلاتها، ولإظهار شعائر الإسلام، وأن الدارَ دار إسلام.

وقد يحتج داود والأوزاعى ومن قال قولهما أن الأذان للصلاة فرض بأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلالٍ بالأذان، إذا سلمنا حمل الأوامر على الوجوب، لكن هذا فى الأوامر المطلقة المجردة عن القرائن فهى المختلف فيها، وأمَّا هنا فالقرينة معلومةٌ، وهو تشاورٌ الناس ورغبتهم أن يجعلوا لصلاتِهِم عَلماً، وكونُ هذا عن رأى عمر أو رؤيا، وكل هذا قرائن تُبعِدُ الوجوبَ وتشهد أنه سُنَّة للصلاة، وهو مذهب مالك وجمهورُ الفقهاء (٤).

واختلف المذهب فى أذان الجمُعةِ أهو فرضٌ أم سُنَّةٌ؟ واختلِفَ فى الأذان على الجملة فظاهر قول مالك فى الموطأ أنه على الوجوب فى الجماعات والمساجد، وقال به بعض أصحابنا، وأنه فرض على الكفاية، وهو قول بعض أصحاب الشافعى، وقال الأوزاعى وداود فى آخرين: هو فرض ولم يُفَصِّلوا (٥)، وروى الطبرىُ عن مالك إن ترك أهلُ مصرٍ الأذانَ عامدين أعادوا الصلاة (٦)، وذهب بعضهم ومعظَمهُ أصحابنا إلى أنه سُنَّةٌ (٧).


(١) لم أقف عليه.
(٢) مراسيل أبى داود ٨١، ورجاله ثقات.
(٣) أخرج عبد الرزاق عن الثورى عن أبى إسحاق قال: يكره للمؤذن أن يؤذن وهو قاعد. وله عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: هل يؤذن المؤذن غير قائم؟ قال. لا إِلا من وجع، قلت: من نعاس أو كسل؟ قال: لا. المصنف لعبد الرزاق ١/ ٤٧٩، وراجع: المصنف لابن أبى شيبة ١/ ٢١٣.
(٤) راجع فى ذلك الشرح الصغير ١/ ٢٤٨، مغنى المحتاج ١/ ١٣٥، المجموع ٣/ ٩٧، اللباب شرح الكتاب
١/ ٦٢، بدائع الصنائع ١/ ١٤٧.
(٥) وهو قول عطاء ومجاهد. التمهيد ١٣/ ٢٧٨.
(٦) السابق.
(٧) قال ابن عبد البر: واختلف المتأخرون من أصحاب مالك على قولين فى وجوب الأذان، فقال بعضهم: الأذان سنة مؤكدة واجبة على الكفاية وليس بفرض، وقال بعضهم: هو فرض على الكفاية فى المصر خاصة. التمهيد ١٣/ ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>