للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤٨ - (...) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فى قَوْلِهِ: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا أُحَرِّكُّهُمَا كَمَا كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحَرِّكُّهُمَا. فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُّهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُّهُمَا، فَحَرِّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ جَمْعَهُ فِى صَدْرِكَ ثُمَّ تَقْرَأُهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ: فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْريِلُ، قَرَأَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَقْرَأَهُ.

ــ

والوقوف عند حدوده، وتدبر آياته، وتحسين تلاوته، كما أمر الله تعالى نبيه - عليه السلام - وقد قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} (١)، هو اختيار الأكثر، ولا خلاف أن الهَذّ المنتهى إلى لفّ كلماته وترك إقامة حروفه غير مستحسن ولا جائز، وقال مالك - رحمه الله -: من الناس من إذا هذ [كان] (٢) أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومنهم من لا يحسن الهذَّ، والناس فى ذلك على قدر حالاتهم وما يخف عليهم، وكلٌّ واسِعٌ، وما قاله مالك - رحمه الله - وغيره ممن أجاز الهذَّ، فإنما هو لمن لم يكن حظه غير مجرد التلاوة، وفضل القراءة، فأما من فتح الله عليه بعلمه وتلاه بالتفكر والاعتبار وتفهم معانيه واستثارة حكمه، فلا مرية أن تلاوة هذا على مكث - وإن قل ما يتلوه - أفضل من ختمات لغيره، وقد جاء للعلماء فى ذلك أخبار واختيار معلوم.

وقوله: " كان مما يحرك به لسانه وشفتيه " بمعنى: كثيراً ما كان يفعل هذا، قال ثابت فى هذه الكلمة: كأنه يقول هذا من شأنه ودأبه فجعل " ما " كناية عن ذلك، يريد ثم أدغم النون من " مَن " فى ميم " ما " فقالوا: مما، وقال غيره: معناها: رُبَّما، وهو قريبٌ من الأول؛ لأن " ربما " قد تأتى للتكثير.

وقوله: يعالج من التنزيل شدة [ويُشد عليه] (٣) أى يلاقى ذلك ويصارعه، والمعالجة: المصارعة والمحاولة للشىء، والشدة هنا لعظم ما يلاقيه من هيبة الملك وما يأخذ عنه، كما جاء عن الملائكة وخصائصها لذلك.


(١) المزمل: ٤.
(٢) ساقطة من ت.
(٣) ليست فى المطبوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>