جابر بن سمرة:" وكانت صلاته بعد تخفيفًا " وحديث أنس بنحوه، يقضى على جميع مختلف الآثار وأنه الذى يشرعه - عليه السلام - للأئمة وهو موضع البيان، وما خالفه من فعله فيحسب زوال العلة، [بل](١) قد كان يخفف الصلاة لسماع بكاء الصبى، وأيضًا فكان - عليه السلام - مأمور بتبليغ القرآن وقراءته على الناس فحاله فى ذلك كان بخلاف حال غيره، وقد يكون اختصاصه بقراءة بعض السور فى صلاته وتطويله فيها أحيانًا بالقراءة لذلك، ولمطابقة حالٍ من الناس لما يتلوه عليهم ويذكرهم به.
وأما اختصاصه الركعة الأولى بالتطويل أكثر من غيرها فلما ذكرنا من مبادرته بالصلاة أوائل الوقت، وحرصًا على أن يدركه فيها من لم يمكنه الدخول معه أولاً لعذره أو شغله، وقد يحتج بهذا على أحد القولين عندنا فى الإمام الراكع يسمع حسّ الداخل أنه ينتظره ولا يرفع، وقد ينفصل من يقول لا ينتظره أن تطويل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا لغير معيّن ولا مخصوص، بل للجماعة التى ينتظر استيفاؤها، وفى الراكع مراعاة حقوق الراكعين معه أولى من الواحد الداخل. واختلف أئمة العلم على القولين معًا، وشدد الكراهة بعضهم فى ذلك جدًا ورآه من اشتراك العمل لغير الله، ولم يقل شيئًا، بل كله لله، وليحوز أجر مدرك الركعة معه ويضاعف أجر صلاته بعقله لها وراءه، وفيه الاستحباب بامتثال فعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكون الركعة الأولى للمصلى أطول من الثانية، وأن يكون قراءته فى السور على ترتيبها فى المصحف، ولا ينكّس فيبدأ فى المتأخر على المتقدم وأن يكون قراءته بسورة تامة فى الركعة فى الفرض مفردة، ولا يبعضها، ولا بسورتين وهذا كله اختيار مالك - رحمه الله - وغيره من أهل العلم على ما جاءت به أكثر هذه الأحاديث، وقد أجاز غير مالك ابتداء القراءة ببعض سورة وروى مثله عنه، والأمر فى جميع ما ذكرناه واسع إن شاء الله تعالى.
وقول أبى سعيد للذى سأله عن صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مالك فى ذلك من خير " يعنى أنك لا تقدر على الإتيان بمثل صلاته مما ذكر من طولها وإن تكلفت فى ذلك يشق عليك.