فقلنا بعموم التَّحريم إلَّا ما استُثني من الذَّهَب؛ وهو خاتَم الذَّهَب عند من يقول بحِلِّه بناء على الأحاديث التي عمل بها، واتِّخاذ السِّنِّ والأَنْف من الذَّهَب، وشَدُّ السِّنِّ به عند محمَّد بالأحاديث التي أَخَذ بها. وأمَّا بالنَّظر إلى النساء فوجدنا أنَّ الخصوص في كُلٍّ من تلك الأحاديث معارِضٌ للعُموم بها مع اختلاف الحُكمِ بالحِلِّ والحُرمَة؛ فتوفيقاً بين الأحاديث رجعنا إلى القاعدة الواجب العمل بها عند التعارض؛ وهي: أَنَّ (الخاصَّ يُقدَّمُ على العامِّ عند جهل التاريخ) -كما هنا-، ويعتبر مخصِّصاً اتِّفاقاً بين الحنفيَّة والشافعيَّة.
وبناءً على ذلك قالوا بحُرمَة الأَكْل والشُّرْب وما في معناهما، في آنية الذَّهْب والفِضَّة وما في معناها، على النِّساء والرِّجال، وخصَّصوا إباحته للنِّساء من الذَّهب والفضَّة بالمُحَلَّى؛ حتَّى لا تتعارض الأحاديث، وعمَّموا النهي بالنِّسبة للرِّجال وجعلوه شاملاً لما كان أَكْلاً وغيره، إلَّا ما استُثني من استعمال الذَّهَب من التَّختُّم به عند القائل بالحِلِّ، وإلَّا عند محمَّدٍ القائل بجواز اتِّخاذ السِّنِّ والأَنْف من الذَّهَب وشَدِّ السِّنِّ به، وإلَّا ما استُثني من استعمال الفِضَّة من الخاتَم وحِلْيَة السَّيْف وسائر آلات الحَرْبِ.
فتلخَّص من هذا: أنَّ كُلَّ استعمالٍ للذَّهَب والفِضَّة يرجع إلى منفعة البَدَن؛ فهو حَرامٌ على الذُّكور والإناث، وكُلَّ ما كان حُلِيًّا ونحوه منهما؛ فهو حلالٌ للإناث دون الذُّكور.
ومن هنا يُعلَم حُرمَة استعمال الذُّكور دون الإناث ساعة الجَيْب واليَد، وأَسْوِرَتها، وسِلْسِلَتها، والكَتِينَة (١)، والنَّظَّارات، ويدَ العَصا والخَتْم، ونحو ذلك، من الذَّهَب أو الفِضَّة؛ لأنَّ كُلَّ ذلك من قبيل التَّحلِّي، وليس في
(١) الكتينة: مصطلح يُطلق باللغة الدارجة على الهيكل الخارجي لساعة اليد والجيب.