للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به، ويضمن حصول التوازن البيئي في الطبيعة، ومَنَعَ تدخُّلَ الإنسان بما يُفسِدُ هذه المنظومة أو يُحدِثُ فيها الخلل؛ فمن ذلك: أنَّه جعل للأُضحية حدًّا لا تجزئ قبله؛ مراعاةً لبقاء النَّسْل الحيواني، وعَمِلَ على حماية الزروع والثمار بالنهي عن بيعها قبل بُدُوِّ صلاحها مخافة انقطاع نتاجها؛ فـ (نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وعَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنِ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ، وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ)؛ كما في حديث (الصحيحين) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ولا يخفى أنَّ حظر الصيد في أوقات معيَّنة أو أماكن معيَّنة للمصلحة هو أمرٌ مشروعٌ؛ فإنَّ (المصلحة العامَّة مُقدَّمة على المصلحة الخاصَّة)، وقد أعطى الشرع للحاكم حقَّ تقييد المباح للمصلحة؛ كما هو الحال في «الحِمَى» التي يمنع الإمام فيها العامَّةَ من الانتفاع بموضع معيَّن للمصلحة العامَّة.

ومن القواعد الفقهيَّة المقرَّرة شرعاً أنَّه (يُمنَعُ الخاصُّ من بعض منافعه إذا ترتَّب عليه ضررٌ عامٌّ)، فالمصالح الشخصيَّة موقوفة إذا ما تعارضت مع المصالح العامَّة، والمصلحة العامَّة هنا تقتضي منع صيد الأسماك بالصعق؛ لِمَا يترتَّب عليه من فقدان الأجيال القادمة التمتُّع بالثروة السَّمَكيَّة؛ حيث يقضي الصعق الكهربائي على جيل الأسماك الصغيرة، وحيث يضرُّ بالبيئة المائيَّة التي تعيش فيها الأسماك، ثمَّ إنَّه إذا كان تسهيل صيد السَّمَك وتيسير الحصول عليه في نفسه حلالًا، فإنَّ الإضرار بالبيئة حرام، واجتماع الحاظر والمبيح على فعلٍ واحدٍ يجعلُه محظوراً، والقاعدة: أنَّه (إذا اجتمعَ الحلالُ والحرامُ غُلِّبَ الحرامُ)، كما هو مقرَّر في قواعد الفقه.

كما أنَّه قد تقرَّر في قواعد الشرع أنَّ (دَرْءَ المفاسِدِ مُقدَّمٌ على جَلْبِ المصالِح)، ولا يخفى أنَّ دَرْءَ مفسدة إهلاك أجيال الأسماك مُقدَّم على مصلحة زيادة كمِّيَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>