فقال المانعون: هذا ضعيفٌ؛ فإنَّ في بعض طُرُقِه:(كَتَبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ في أَرْضِ جُهَيْنَةَ إِنَّي كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ المَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ) رواه الطَّبرانيُّ في (المُعجم الأوسط) من رواية فَضالَة بن مُفَضِّل بن فَضالَة المِصْريِّ، وقد ضعَّفه أبو حاتمٍ الرَّازيُّ، لكن هو شديدٌ في التَّزكية. وإذا كان النَّهيُ بعد الرُّخصة، فالرُّخصة إنَّما كانت في المدبوغ.
وتحقيق الجواب أن يُقال: حديث ابن عُكَيْمٍ ليس فيه نَهْيٌ عن استعمال المدبوغ، وأمَّا الرُّخصة المُتقدِّمة؛ فقد قِيلَ: إنَّها كانت للمَدْبوغ وغيره، ولهذا ذهب طائفةٌ -منهم الزُّهريُّ وغيرُه- إلى جواز استعمال جُلود المَيتَة قبل الدِّباغ تَمسُّكاً بقوله المُطلَق في حديث مَيْمونة وقوله:(إِنَّمَا حَرُمَ مِنَ المَيْتَةِ أَكْلُهَا)؛ فإنَّ هذا اللَّفظَ يدُلُّ على التَّحريم، ثُمَّ لم يتناول الجِلْد، وقد رواه الإمام أحمد في (المُسنَد) عن ابن عبَّاسٍ قال: (مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ؛ مَاتَتْ فُلَانةُ -تَعْنِي الشَّاةَ-، فَقَالَ: فَلَوْلَا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا، فَقَالَتْ: آخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟ فَقَالَ لَها رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّما قَالَ: {لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ}[الأنعام: ١٤٥]، وَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ، إِنْ تَدْبُغُوهُ تَنْتَفِعُوا بِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا فَدَبَغَتْهُ، فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ قِرْبَةً حَتَّى تَخَرَّقَتْ عِنْدَهَا)؛ فهذا الحديثُ يدُلُّ على أنَّ التَّحريم لم يتناول الجِلدَ، وإنَّما ذَكَرَ الدِّباغ لإبقاء الجِلْد وحِفْظه، لا لكَوْنه شَرطاً في الِحلِّ. وإذا كان كذلك فتكون الرُّخصة لجُهَينة في هذا، والنَّسْخ عن هذا؛ فإنَّ الله تعالى ذَكَرَ تحريم المَيتَة في سُورتَين مَكِّيَّتين: الأنعام والنَّحل، ثُمَّ