قالوا: السَّكْران هو الذي اختلَّ كلامُه المنظوم، وانكشفَ سِرُّه المكتوم، وقال بعضهم: هو الذي لا يعرف السماء من الأرض. ثمَّ نُقِلَ عن الغزاليِّ الخلاف في ذلك.
قيل: والأَوْلَى أن يُقال: إنْ أُريد بالإسْكار تغطية العَقْل؛ فهذه كُلُّها صادقٌ عليها معنى الإسْكَار، وإن أُريد بالإسْكار تغطية العَقْل مع الطَّرَب فهي خارجةٌ عنه؛ فإنَّ إِسْكار الخَمْر يتولَّد منه النَّشاةُ والنَّشاطُ والطَّرَبُ والعَرْبَدَة والحَمِيَّة. والسَّكرانُ بالحشيشة ونحوها يكون ممَّا فيه ضِدُّ ذلك؛ فتقرَّر من هذا أنَّها تَحْرُم لمَضَرَّتها العَقْل، ودخولها في المُفَتِّر المنهيِّ عنه، ولا يجب الحدُّ على متعاطيها؛ لأنَّ قياسها على الخَمْر مع الفارق -وقد انتفى بعض الأوصاف- لا يصحُّ. كذا قيل.
والحاصل: أنَّ الحشيشة وما في حُكْمها ممَّا له عملُها، لا شكَّ ولا ريب في تحريمها؛ لأنَّها إن كانت من المُسْكِرات فهي داخلةٌ في عموم أدلَّة تحريم المُسْكِر، وقد عَرَفْتَ من جَزَم بأنَّها مُسْكِرةٌ، وإن كانت من المُفَتِّرات والمُخَدِّرات فهي مُحرَّمةٌ بالحديث المتقدِّم في تحريم كُلِّ مُفَتِّر، ولا يخرج عن هذين الأمرين أصلاً.
تعريفُ الخَدَر
والخَدَرُ ليس أمراً غير الفُتُور، بل هو فُتورٌ مع زيادة. قال في (القاموس): الخَدَرُ -بالتَّحريك-: امْذِلالٌ يغْشَى الأعضاءَ. خَدِرَ كفَرِحَ فهو خَدِرٌ، وفُتُورُ العَيْنِ أو ثِقَلٌ فيها مِنْ قَذًى .... انتهى. ومع هذا فقد عَرَفْتَ الإجماع على تحريمها بحكاية الإمامين الفِرْيابيِّ وابنِ تيمية، فلم يَبْقَ ارتيابٌ في التحريم ....
وقد سُقْنا في هذه الورقات من الأدلَّة ونصوص العُلماء الأكابر على مسألة السؤال ما فيه كفاية لمن له هداية.