للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومِراراً لاختباره، قال: فجزم بتحريمه؛ لضرره وإسْكاره، وكان يقول: ما يخرج عقب البَوْل بسببه مَنِيٌّ، ثمَّ اجتمعت به فقلت له: نسمع عنك أنَّك تُحرِّم القات. قال: نعم. فقلت له: وما الدليل؟ قال: ضرره وإسْكاره، فضرره ظاهر، وأما إسْكاره فهل هو مطرب؟ فقلت: نعم. فقال: فقد قالت الشافعيَّة وغيرهم في الردِّ على الحنفيَّة في إباحتهم ما لم يُسْكِر من النَّبيذ: النَّبيذ حَرامٌ قياساً على الخَمْر، بجامع الشدَّة المُطْرِبَة. فقلتُ له: يَرْوُون عنك أنَّك تقول: ما يخرج عنه مَنِيٌّ. وليس فيه شيء من خواص المَنِيِّ. فقال: إنَّه يخرج قبل استحكامه. وقد رأيت مَنْ أكثرَ مِنْ أَكْلِه فَجُنَّ. هذا كُلُّه ملخَّص كلام الحَرَازي.

وهذا الرَّجُلُ العِراقِيُّ الذي أشار إليه ونقل عنه حُرْمَة القات أخبرني بعض طلبة العِلْم أنَّه جاء إلى مكَّة المُشرَّفة، ودرس بها كثيراً، وأنَّه قرأ عليه، وزاد في مدحه والثناء عليه.

ووافق هؤلاء القائلين بحُرْمَة القات قول الفقيه العلَّامة حمزة النَّاشِري، وهو ممَّن يُعتمَد عليه نَقْلاً وإفْتاءً، كما يدلُّ عليه ترجمة المذكور في (تاريخ الشمس السَّخاوي) في منظومته المشهورة، وقد أخبرني مُحدِّث مكَّة -شرَّفها الله- أنَّه قرأها على مؤلِّفها حمزة المذكور، وأجازه بها:

ولَا تَأْكُلَنَّ القَاتَ رَطْباً وَيَابِساً ... فَذَاكَ مُضِرٌّ دَاؤُهُ فِيهِ أَعْضَلَا

فَقَدْ قَالَ أَعْلَامٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِنَّ ... هَذَا حَرَامٌ لِلتَّضَرُّرِ مَأْكَلاً

ومنها: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن كُلِّ مُسْكِر ومُفَتِّر؛ قال في (النهاية) ما معناه: أنَّ المُفَتِّر ما يكون منه حرارةٌ في الجسد وانكسارٌ. وذلك معلومٌ ومُشاهدٌ في القات ومستعمليه كسائر المُسْكِرات، وإن كان يحصل منها توهيم نشاط أو تحقُّقُه فإنَّ ذلك ممَّا فَضُل من الانتشاء والسُّكْر الحاصل من التخدير

<<  <  ج: ص:  >  >>