معتدلُ المزاج والطَّبْع. فالذي أُدْرِكُه بواسطة ذلك لا يُدْرِكُه غيري، وقد أَدْرَكْتُ منه التخدير ودوران الرأس، ولا أعود لأَكْلِه أبداً.
كذلك قال بعض الأشراف: إنَّ فيه غَيْبةً عن الحِسِّ، وإنَّه استعمله فغاب مدَّةً طويلةً لا يدري السماء من الأرض، ولا الطُّولَ من العَرْض. هذا كُلُّه كلامُ ابن حَجَر في (تحذير الثقات [من] استعمال الكُفْتَة والقَات).
وقال أيضاً فيه في كلامٍ على الحشيشة وجَوْزَة الطِّيب: وهذا يستدعي ذِكْرَ أوصافهما لتُقاسَ بهما شجرة القات، ثمَّ ذَكَر أنَّه استُفْتِيَ عن جَوْزَة الطِّيب فأفتى بتحريمها؛ لإسْكارها كالحشيشة. ثمَّ قال: فثبت بما تقرَّر أنَّها حَرامٌ عند الأئمَّة الأربعة؛ الشافعيَّة، والمالكيَّة، والحنابلة بالنصِّ، والحنفيَّة بالاقتضاء. إلى أن قال: وذلك أنَّ الإسْكار يُطْلَق ويُراد به مُطْلَق تغطية العَقْل. وهذا إطلاقٌ أعمُّ، ويُطْلَق ويُراد تغطية العَقْل مع نَشْوةٍ وطَرَبٍ. وهذا إطلاقٌ أخصُّ، وهو المراد من الإسْكار حيث أُطْلِق. فعلى الإطلاق الأوَّل بين المُسْكِر والمُخدِّر عمومٌ مُطْلَقٌ، إذ كُلُّ مُخدِّرٍ مُسْكِرٌ، وليس كُلُّ مُسْكِرٍ [مُخدِّراً].
فإطلاق الإسْكار على الحشيشة والجَوْزَة ونحوهما المراد منه التخدير، ومن نفاه عنهما أراد به معناه الأخصُّ. وتحقيقه: أنَّ مِنْ شأن السُّكْر بنحو الخَمْر أنَّه يتولَّد عنه النشوة والطَّرَب والعَرْبَدة والغَضَب والحَمِيَّة، ومِنْ شأن السُّكْر بنحو الحشيشة والجَوْزَة أنَّه يتولَّد عنه ضدُّ ذلك من تخدير البدن وفتوره، ومن طول السكوت والنوم، وعدم الحَمِيَّة. إلى أن قال: انتهى جوابي في الجَوْزَة، وهو مشتمل على نفائس تتعلَّق بهذا القات، بل هو ظاهر في حُرْمَة القات؛ لأنَّ الناس مختلفون في تأثير الجَوْزَة؛ فبعض آكِلِيها يُثبِتُ لها تخديراً، وبعضهم لا يُثبِتُ لها ذلك،