للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القاضى: لا يحتاج فى تحبيس أهل الكفر بقاء أيديهم أو زوالها، إذ القرب لا تصح منهم، وعقودهم فيها غير لازمة، فلهم عند أشياخنا - بلا خلاف علمته - الرجوع فى أحباسهم، ومنعها، والتصرف فيها كيف شاؤوا، ويفترق (١) من العتق الذى شرط فى إمضائه شيوخنا خروجه من يده إذا صار ذلك حقاً للمعتق يرفع يده عنه، وتسريحه إياه، وتملكه نفسه، فأشبه عقود هباتهم وأعطياتهم اللازمة.

وفيه جواز نبش قبور المشركين عند الحاجة إلى موضعها؛ إذ لا حرمة لهم إذا لم يكن فى أملاكهم (٢)، ولأن نبش هذه إنما كانت بعد ملك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها. وفيه جواز الصلاة فى مقابرهم الداثرة بعد نبشها وإخراجهم منها، وبناء المساجد مكانها؛ لأن هذه قد اتخذ عليها مسجد وكانت داثرة، وبعد نبشها، وإخراج ما فيها من أصداءٍ وعظام، وقد [كره] (٣) العلماء الصلاة فى قبور المشركين بكل حال وعليه تأوَّل أكثرهم النهى عن الصلاة فى المقبرة، [قالوا: لأنها حفرة من حفر النار وقد اختلف فى الصلاة فى المقبرة] (٤) على الجملة، فأجازه مالك وأكثر أصحابه وإن كان القبر بين يديه، وهو مذهب الحسن البصرى وآخرين، وقاله الشافعى، وروى عن مالك - أيضاً - كراهة ذلك، وقاله جماعة من السلف، وبه قال أحمد وإسحاق، وحكى عبد الوهاب كراهته فى الجديدة، قال: ويكره فى مقابر المشركين جملة، وقال الشافعى: إذا كانت المقبرة (٥) مختلطة بلحوم الموتى وصديدهم لم يجز، ولا يختلف فى هذا على الجملة، وكره بعضهم الصلاة إليها، وسيأتى الكلام عليها فى الجنائز إن شاء الله. قال الخطابى: وفيه دليل على أنَّ الأرض التى دفن فيها الميت باقية على مِلك أوليائه، وكذلك كفنه؛ ولذلك قطعنا النباش لأنه سرق من حرز من مِلك مالك ولولا هذا لم يجز نبشها واستباحتها بغير إذن مالكها.

قال القاضى: مذهبنا أن مواضع القبور أحباس لا يجوز بيعها لحوز الميت إياها عن غيره، وهذه لا جاز نبشها وإخراجهم منها دل أن لا حق لهم فيها لما تقدم، وليس علة قطع النباش كون الأرض ملكاً للأولياء، لأنا نقطع على ما لم يستقر عليه ملك إذا كان فى حرز، كقطعنا من سرق آلات المساجد، وأموال أحباس الطرقات وكذلك لما لم يستقر عليه ملك معين كمن سرق من المغانم، وأما الكفن فملك للميت، وحق له ما دام محتاجاً إليه، ولهذا قال بعض شيوخنا البغداديين: لو أكلت الميت السباع لرجع الكفن لورثته، قال الخطابى: وفيه دليل على أن من لا حرمة له فى حياته لا حُرمة له فى مماته، وقد قال -


(١) زيد بعدها فى هامش ت: الجواب.
(٢) فى ت: أيديهم.
(٣) ساقطة من الأصل، واستدركت بالهامش بسهم.
(٤) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.
(٥) فى ت: القبور.

<<  <  ج: ص:  >  >>