للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخربٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، وَبِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ. قَالَ: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلةً، وَجَعَلوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً. قَالَ: فَكَانُوا يَرْتَجَزُونَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ. وَهُمْ يَقُولونَ:

ــ

عليه السلام -: " كسر عظم المسلم ميتاً ككسره حياً " (١)، قال غيره: وفيه دليل على نبش قبورهم لطلب المال. وقد اختلف العلماء والسلف فى ذلك وكرهه مالك وأجازه أصحابه، واختلف فى علة كراهة من كرهه فقيل: ذلك مخافة نزول سخط (٢) وعذاب عليهم؛ لأنها مواضع العذاب والسخط، وقد نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن دخول ديار المعذبين خشية أن يصيب الداخل ما أصابهم، أو لأنه - عليه السلام - قد قال: " إِلا أن تكونوا باكين " (٣)، فمن دخلها لطلب الدنيا فهو ضد ذلك، أو مخافة أن يصادف قبر نبى أو رجل صالح بينهم، وحجة من أجاز ذلك: نبش أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أبى رغال، واستخراجهم منه قضيب الذهب الذى أعلمهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مدفون معه (٤).

وقوله: " وكانوا (٥) يرتجزون ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم ". فيه جواز قول الأشعار والأرجاز، والاستعانة بها وأمثالها من الكلام الموزون والمزدَوَج (٦) عند التعاون على الأعمال وتحريك الهمم، وتشبجيع النفوس، والقوى وتسليتها عند معاناة الأمور الصعبة والكُلف الشاقة، كما جاء هنا وفى غير حديث وقصة، واستدلال بعضهم بهذا وشبهه بما روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قاله، أو شُيِّعَ فيه وسمعه، أو حكاه من كلام غيره، أن الرجز ليس بشعرٍ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه} (٧). وقد اختلف أصحاب العروض وعلم الشعر فى أعاريض الرجز، هل هى من الشعر أم لا؟


(١) لفظ أحمد: " كسر عظم المؤمن " ٦/ ٥٨، ٢٦٤. وأخرجه أبو داود فى الجنائز، ب فى الحفار يجد العظم، هل يتنكب ذلك المكان، ومالك فى الموطأ كذلك، ب ما جاء فى الاختفاء ١/ ٢٣٨، وابن ماجه فى النهى عن كسر عظام الميت بدون لفظ " المؤمن ".
(٢) فى الأصل: السخط.
(٣) البخارى فى صحيحه، ك الصلاة، ب الصلاة فى مواضع الخسف والعذاب، وسيأتى إن شاء الله فى ك الزهد والرقائق، ب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إِلا أن تكونوا باكين. وانظر: أحمد فى المسند ٢/ ٩.
(٤) الحديث أخرجه أبو داود فى السنن، ك الخراج والإمارة والفىء، ب نبش القبور. ولفظه: " هذا قبر أبى رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان فدُفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصنٌ من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه " فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن.
(٥) فى المطبوعة: فكانوا.
(٦) ازدوج الكلام وتزاوج: أشبه بعضه بعضاً فى السجع أو الوزن، أو كان لإحدى القضيتين تعلُقٌ بالأخرى.
راجع: لسان العرب، مادة: " زوج ".
(٧) يس: ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>