لروايته إيَّاه، وإن لم يتعمَّدُه، ولا عرف أنه كذب.
وهو أقوى فى الحجة للأشعرية فى أنه لا يشترط فى الكذب العمدُ، من دليل خطاب الحديث المتقدَّم.
وأما حديثه الآخر الذى ذكر مسلم أوَّل الفصل من حديث سمرة والمغيرة:" من حَدَّث عنى حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " فَبيّنُ المعنى، لأنه مُحدّثٌ عنه- عليه السلام- بما يقطع أو يغلبُ على ظنه باطله، والمحدّثُ بمثل هذا عنه مُفْتَرٍ عليه، وكمتعمد الكذب عليه، مرتكب لما نهى عنه فهو أحدُ الكاذبين.
قال أبو جعفر الطحاوى: هو داخل فى وعيد الحديث فيمن كذب على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١).
قال أبو عبد الله الحاكم: هذا وعيد للمحدّث إذا حدّثَ بما يعلم أنه كذبٌ وإن لم يكن هو الكاذب.
قال القاضى: وكيف لا يكون كاذباً وهو داخل تحت حدّ الكاذب. وكلامه داخل تحت حدّ الكَذِب، والرواية فيه عندنا:" الكاذِبين " على الجمع.
(١) قال: لأنا وجدنا الله تعالى قد قال فى كتابه: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف: ١٦٩]. فوجدناه تعالى قد أخبر أن ذوى الكتاب مأخوذٌ عليهم ألَّا يقولوا على الله إلا الحق، وكان ما يأخذونه عن الله تعالى هو ما يأخذونه عن رسله- صلوات الله عليهم أجمعين- إليهم، فكان فيما أخذه الله تعالى عليهم ألا يقولوا على الله إلا الحق، كان الحق ها هنا كهو فى قوله تعالى: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وكل من شهد بظن فقد شهد بغير الحق، إذ كان الظن كما قد وصفه الله تعالى فى قوله: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦]. وفى ذلك إعلامه إيانا أن الظن غير الحق، وإذا كان من شهد بالظن شاهداً بغير الحق كان مثله من حدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالظن يحدث عنه بغير الحق، والمحدث عنه بغير الحق يحدث عنه بالباطل، والمحدث عنه بالباطل كاذب عليه، كأحد الكاذبين الداخلين فى قوله- عليه الصلاة والسلام-: " من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " مشكل ١/ ١٧٦.