للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ.

٢٦٧ - (٦٥٩) وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ،

ــ

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فيه جواز الصلاة على الحصير وعلى ما تُنبِت الأرض، ولا خلاف فى هذا، وما روى عن عمر بن عبد العزيز من خلاف هذا إنما هو؛ لأن مباشرة الأرض أبلغ فى التواضع، وقد بين فى الحديث الآخر أنه كان من جريد، وفيه حجة أن الافتراش لبسٌ وأن المفترش والمتوطأ والمتكأ عليه كله ملبوس، وأن من حلف ألا يلبس ثوباً ولم يكن له نيةٌ معينة فافترشه أنه حانث، وفيه حجة أن افتراش الحرير حرام؛ إذ هو من جملة اللباس المنهى عنه، على أن فى الحديث الصحيح النص على النهى عن الجلوس عليه (١)، وهو مشهور مذهب مالك وكافة العلماء، خلافاً لعبد الملك بن الماجشون ومن قال بقوله فى إجازة الافتراش على ما نذكره بعد فى موضعه. واسوداد الحصير إما لقدمه أو لما يناله من وضَرِ الدوس والأقدام والاستعمال.

ونضحه له، قال إسماعيل القاضى (٢) وغيره: إنما نضحه ليلين ويتوطأ للصلاة، والأظهر قول غيره: أن ذلك إما لنجاسة متيقنة فيكون النضح هنا غسلٌ أو متوقعة لامتهانه بطول افتراشه فيكون رشاً لزوال الشك، وتطييب النفس، لا سيما وكان عندهم أبو عمير أخو أنس طفلاً صغيراً حينئذ. وقد جاء فى غير مسلم هذا الحديث مبيناً ذكر أبى عمير فيه، فيكون نضحه لأجل جلوس الطفل الذى لا يتوقى النجاسة ولا يبعد منه وتصرفه عليه. وقوله: " فصففتُ أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا ": حجة لكافة أهل العلم فى أن هذا حكم الاثنين خلف الإمام، خلافاً لأبى حنيفة والكوفيين فى قولهم: يكونان عن يمينه ويساره، وقد تقدم هذا.

وقوله: " والعجوز من ورائنا " حكم قيام المرأة خلف الإمام، ولا خلاف فى هذا، وفيه حجة على أن المرأة لا تؤم الرجال؛ لأنه إذا كان مقامها فى الأيتام غير مساوٍ للرجل فتتأخر عنه، فاحرى ألا تتقدمه، وهو قول الجمهور، خلافاً للطبرى وأبى ثور فى إجازتهما إمامة الرجال والنساء جملة، وحكى عنهما إجازة ذلك لها فى التراويح إذا لم يوجد قارئ غيرها. واختلف فى إمامتها النساء، فذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة من


(١) أخرج البخارى فى صحيحه عن حذيفة - رضى الله عنه - قال: " نهانا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشرب فى آنية الذهب والفضةِ وأن نأكل فيها، وعن لُبسِ الحرير والديباج وأن نجلس عليه " ك اللباس، ب افتراش الحرير ٧/ ١٩٤.
(٢) الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل ابن محدث البصرة حماد ابن زيد. قال فيه أبو بكر الخطيب: كان عالماً متقناً فقيهاً، شرح المذهب واحتج له، وصنف المسند، وصنف علوم القرآن، وجمع حديث أيوب وحديث مالك، ثم صنّف الموطأ ونشر مذهب مالك بالعراق.
توفى سنة اثنتين وثمانين ومائتين. سير ١٣/ ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>