للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَازِمٍ فَقُل لهُ: لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَرْوِىَ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، فَإِنَّهُ يَكْذِبُ. قَال: أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لشُعْبَةَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَنِ الحَكَمِ بِأَشْيَاءٍ لمْ أَجِدْ لهَا أَصْلاً. قَال: قُلْتُ له: بِأَىِّ شَىْءٍ؟ قَال: قُلْتُ للحَكَمِ أَصَلى النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلىَ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: لمْ يُصَل عَليْهِمْ. فَقَالَ الحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ــ

على أهل أحد [صلاته على الميت] (١) وعن ابن عباس وابن الزبير أنه صلى يوم أحد على قتلى أحد. فاختلف العلماء فى غسلهم والصلاة عليهم باختلاف هذه الأحاديث، فذهب مالك والشافعى وأحمد والليث فى جماعة أنهم لا يُغَسَّلون ولا يُصلى عليهم، وذهب أبو حنيفة والأوزاعى والثورى إلى إنهم لا يغسلون ويُصلى عليهم (٢)، وذهب ابن المسيب والحسن إلى غُسْلهم والصلاة عليهم (٣)، وحجة مالك ومن وافقه الأحاديث المتقدمة وأن حديث عقبة (٤) كان بعد دفنهم بسنين، ويعنى (٥) الدعاء والترحم عليهم، ولأن الصلاة على


(١) سقط من ت، وقيد بعدها فى ت: ولم يغسلوا.
(٢) قال ابن عبد البر: وبذا قال أحمد بن حنبل، والأوزاعى وإسحاق وداود وجماعة فقهاء الأمصار، وأهل الحديث وابن علية. التمهيد ٢٤/ ٢٤٢.
(٣) وحجتهم فى ذلك أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يغسل شهداء أحد لكثرتهم، وللشغل عن ذلك، واحتج بعض المتأخرين ممن ذهب مذحب الحسن وسعيد بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شهداء أحد: " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " وقال: هذا يدُل على خصوصهم، وأنهم لا يشركهم فى ذلك غيرهم.
قال ابن عبد البر. ولم يقل بقول سعيد والحسن هذا أحدٌ من فقهاء الأمصار إلا عبيد الله بن الحسن العنبرى البصرى. وليس ما ذكروا من الشغل عن غسل شهداء أحد علة؛ لأن كل واحد منهم كان له ولى يشتغل به. ويقوم بأمره، والعلة- والله أعلم- فى ترك غسلهم ما جاء فى الحديث المرفوع فى دمائهم أنها تأتى يوم القيامة كريح المسك. قال: رواه الزهرى عن عبد الله بن ثعلبة. تمهيد ٢٤/ ٢٢٤.
قلت: وأخرجه النسائى فيما سبق وأن ذكرت، قال- مشيراً إلى قول سعيد والحسن والمتأخرين ممن ذهب مذهبهما-: القول بهذا خلاف على الجمهور، وهو يشبه الشذوذ، والقول بترك غسلهم أولى لثبوت ذلك عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قتلى أحد وغيرهم.
واحتج لذلك بما أخرجه أبو داود عن أبى الزبير عن جابر قال: ورمى رجل بمهم فى صدره أو فى حلقه فمات، فأدرج فى ثيابه كما هو، قال. ونحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو عمر: وأما الصلاة عليهم، فإن العلماء اختلفوا فى ذلك، واختلفت فيه الآثار: فذهب مالك والليث والشافعى، وأحمد وداود، إلى ألا يصلى عليهم، لحديث الليث عن الزهرى عن ابن كعب بن مالك عن جابر.
وقال فقهاء الكوفة والبصرة، والشام: يصلى عليهم، قال: ورووا آثاراً كثيرة أكثرها مراسيل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على حمزة، وعلى سائر شهداء أحد. تمهيد ٢٤/ ٢٤٤.
قلت: حديث عقبة بن عامر يدفع هذا القول، فهو متصل فى الصحيح. قال الحافظ فى الفتح: قال الزين بن المنير فى حديث عقبة: " إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت " تحت باب الصلاة على الشهيد قال: أراد باب حكم الصلاة على الشهيد، ولذلك أورد فيه حديث جابر الدال على نفيها وحديث عقبة الدال على إثباتها، قال: ويحتمل أن يكون المراد باب مشروعية الصلاة على الشهيد فى قبره لا قبل دفنه، عملاً بظاهر الحديثين. فتح ٣/ ٢٤٩.
(٤) فى ت: عتبة، وهو خطأ.
(٥) فى ت: وبمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>