للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُسْلمٌ: وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلامِ أَهْلِ العِلْمِ فِى مُتَّهَمِى رُوَاةِ الحَدِيثِ وَإِخْبَارِهِمْ عَنْ مَعَايِبِهِمْ كَثِيرٌ. يَطُولُ الكِتَابُ بِذِكْرِهِ، عَلى اسْتِقْصَائِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ، لمَنْ تَفَهَّمْ وَعَقَلَ مَذْهَبَ القَوْمِ، فِيمَا قَالوا مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنُوا.

وَإِنَّمَا أَلزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الكَشْفَ عَنْ مَعَايبِ رُوَاةِ الحَدِيثِ، وَنَاقِلِى الأَخْبَارِ، وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ حِينَ سُئِلوا، لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الخَطَرِ، إِذِ الأَخْبَارُ فِى أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأتِى بِتَحْلِيلٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْىٍ، أَوْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ، فَإِذَا كَانَ الرَّاوِى لهَا ليْسَ بِمَعْدَنٍ للصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ وَلمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ، مِمَّنْ

ــ

لم يحسن مقصدهُ وقصد محض التنقصِ والعيب لا بيان الحال لأجل الحديث لكان غيبة، وكذلك لو لم يكن المتكلم من أهل هذا الشأن، ولا ممن يُلتَفَتُ إلى قوله فيه لما جاز له ذكر ذلك ولكان غيبةً، وهذا كالشاهد ليس تجريحه غيبةً [ولو عابه] (١) [قائل] (٢) بما جُرح به على طريق المشاتمة والتنقص له أُدب له وكانت غيبة، وقد قيل ليحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركتَ حديثَهم خُصمَاك عند الله؟ فقال: لأن يكونوا خُصمائى أحبُّ إلىَّ من أن يكون خصمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقولُ: لِمَ حدثت عنى حديثًا ترى أنه كذِب؟ (٣).

ذكر مسلم تجريح قوم لجماعةٍ فيهم من يوجد تعديلهم لآخرين من الأئمة، وهذه مسألة اختلف فيها المحدّثون والفقهاء والأصوليون فى باب الخبر وباب الشهادة، وقالوا: إذا عدَّل مُعَدِّلون رجلاً وجَرَّحه آخرون فالجرح أولى، وحكوا فى ذلك إجماع العلماء مع الحجة بأن المجرح زاد ما لم يعلمه المعدّلُ، وهو بين، ولا خلاف فى هذا إذا كان عدد مع الحجة بأن المجرح زاد ما لم يعلمه المعدّلُ، وهو بين ولا خلاف فى هذا إذا كان عددُ المجرحين أكثرُ (٤)، فإن تساوَوا فكذلك عند القاضى أبى بكر


(١) سقط من الأصل.
(٢) ساقطة من ت.
(٣) المدخل إلى دلائل النبوة ١/ ٥٧، فتح المغيث ٣/ ٣٢٣.
وأخرج ابن عبد البر فى التمهيد ١/ ٤٧ من طريق يحيى بن سعيد القطان يقول: سمعت عبد الرحمن ابن مهدى يقول: سألت شعبة وابن المبارك والثورى ومالك بن أنس عن الرجل يتهم بالكذب فقالوا: انشره فإنه دين.
قال: وروينا عن حماد بن زيد أنه قال: كلمنا شعبةَ فى أن يكف عن أبان بن أبى عياش لسنّه وأهل بيته، فقال لى: يا أبا إسماعيل، لا يحل الكف عنه لأن الأمر دين.
(٤) الترجيح بالكثرة يكون عندما يعيّن الجارح سبب الجرح، وينفيه المعدّل بطريقٍ يقينى، فيصار إلى الترجيح بالكثرة أو شدة الورع والتحفظ، شرح مختصر ابن الحاجب ١/ ٧٠٨.
وقال السخاوى: " ينبغى تقييدُ الحكم بتقديم الجرح على التعديل بما إذا فُسّرا، أما إذا تعارضا من غير تفسير فإنه يقدم التعديل. قاله المزى وغيره. شرح الألفية: ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>