للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من كتاب أبى عُبيد الهروى المنقول منه بلا شك، حسب ما رويناه من طريق القاضى الشهيد عن أبى بكر المفيد عن أبى عمر المليح، عن الهروى وبحسب ما قيدَّناه وأتقناه على الحافظ أبى الحسن بن سراج اللغوى عن أبيه عن السفاقسى عن الصابونى عن الهروى، وقد ذكر أصحاب القراءات واللغة أنه قرئ: " ما وَدَعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى " (١) بالتخفيف، بمعنى تركك، فهذا - أيضًا - استعمال ماضيه لا على ما زعمت النحوية.

وقوله: " أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين ": حجة بينةٌ فى وجوب الجمعة وكونها فرضًا؛ إذ العقاب والوعيد والطبع والختم إنما يكون على الكبائر، وأصله (٢) التغطية أى غطى عليها ومنعها من الهداية به، حتى لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، ولا تعى خيرًا، قالوا فى قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم} (٣): أى طبع عليها، قالوا: وأصل الطبع فى اللغة: الوسخ والتدنيس (٤)، واستعمل فيما يشبهه من الآثام ومثله الرين، وقيل: الرين أيسرُ من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشدها. وقد اختلف المتكلمون فى هذا اختلافاً كثيرًا، فقيل: هو إعدام اللطف وأسباب الخير، والتمكين من أسباب ضده، وقيل: هو خَلْق الكفر فى قلوبهم (٥)، وهو قول أكثر متكلمى [أهل] (٦) السنة، وقال غيرهم: هو الشهادة عليهم، وقيل: هو علم جعله الله فى قلوبهم؛ ليعرف به الملائكة الفرق بين من يجب مدحه وبين من يجب ذمه.

قال الإمام (٧): اختلف الناس فى صلاة الجمعة، هل هى فرض على الأعيان أو على الكفاية؟ فالأكثر أنها على الأعيان، وذهب بعض الشافعية إلى أنها على الكفاية، فتعلق الأولون بقول الله سبحانه: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه} (٨)، وهذا خطاب لسائر الناس فيجب حمله على العموم، وبظاهر الخبر الذى قدَّمَناه. وتعلق الآخرون بقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم " (٩) الحديث، وصلاة الجمعة تدخل فى عموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الجماعة "، فقد أثبت فضلها على [ما تقتضيه] (١٠) المبالغة.

واختلف الناس - أيضاً - هل تجب على العبد والمسافر؟ فأسقطها عنهما مالك وأكثر الفقهاء، وأوجبها عليهما داود، ووجه الخلاف ورود خبر الواحد بالتخصيص، فهل يخص عموم القرآن بأخبار الآحاد أم لا؟ فيه اختلاف بين أهل الأصول، وهذا على القول بأن العبد يدخل فى الخطاب مع الحُرِّ، وأما إذا قلنا: إنه لا يدخل فى خطاب الأحرار لم يكن هاهنا عمومٌ عارض خبر واحد، بل يكون الاستمساك بالأصل واستصحاب براءة الذمة فى حقه هو الأصل المعتمد عليه، وعلى أن - أيضاً - هذا الخبر الوارد فيه ذكر أربعة لا


(١) الضحى: ٣.
(٢) يعنى الختم.
(٣) البقرة: ٧.
(٤) فى س: والدنس.
(٥) فى الأصل: صدورهم.
(٦) من س.
(٧) فى س: زيادة (أبو عبد الله).
(٨) الجمعة: ٩.
(٩) سبق فى ك المساجد.
(١٠) من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>