للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

ــ

وقوله: " استسقى ": أى طلب من الله السقى بدعائه أو بتضرعه وصلاته.

وقوله: " واستقبل القبلة وحوَّل رداءه "، وفى رواية: " فقلب رداءه "، قال الإمام: قال أهل العلم: إنما كان ذلك على جهة التفاؤل، لينقلب الجدب خِصْبًا.

قال القاضى: قوله: " حوَّل رداءه " و " قلب رداءه " حجة لمالك وعامة العلماء أنه ردّ ما على اليمين على الشمال، كما جاء فى الحديث مفسراً (١)، وليس بتنكيسه وبقلب أعلاه أسفله، وجعل ما يلى الأرض على رأسه وما على رأسه إلى الأرض، كما قال الشافعى بمصر (٢)، وكان يقول بالعراق كقول الجماعة، وقد وهم بعض المتأولين على المذهب وعلى غيره فجعلوا قول من قال: " يجعل ما على ظهره يلى السماء " وفسّر التحويل والقلب بهذا قولاً ثالثاً، وليس كذلك، بل هو القول الأول الذى عليه الجمهور، ولأنه لا يتأتى أن يجعل ما على يمينه على يساره، ولا يقلبه فيجعل أعلاه أسفله إلا بأن يجعل ما على ظهره يلى السماء، ولأن لفظة (حول، وقلب) تقتضى هذا، ولو كان كما قال الشافعى لقال: فنكَّس أو دوَّر.

وتحويله سنة، قال بهما جمهور العلماء، وقد أنكر التحويل جملة من لم يبلغه هذه السنة، وهو أبو حنيفة وصعصعة بن سلَّام من قدماء علماء الأندلس على مذهب الشاميين (٣) ولم يذكر فى الحديث أنه تحوَّل غير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قول الليث ومحمد وأبى يوسف من


(١) وذلك فيما أخرجه أبو داود، ب جماع أبواب الصلاة وتفريعها ١/ ٣٠٢ عن محمد بن مسلم بإسناده قال: وحوَّل رداءه، فجعل عطافَه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله عز وجل: ١/ ٢٦٥.
(٢) قلت: أخرج أبو داود وأحمد فى المسند وابن خزيمة فى صحيحه والطحاوى فى شرح معانى الآثار بإسناد صحيح عن عبد الله بن زَيْدٍ قال: " استسقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه خميصةً له سوداء، فأراد أن يأخذَ بأسفَلها فيجعله أعلاها، فلما ثقُلت عليه قلبها على عاتقه " أحمد ٤/ ٤٠، ابن خزيمة فى صحيحه حديث (١٤١٥)، الطحاوى ١/ ٣٢٤.
قال ابن عبد البر: فى هذا الحديث دليل على أن الخميصة لو لم تثقل لنكسها، وجعل أعلاها أسفلها. الاستذكار ٧/ ١٣٨.
(٣) هو صعصعة بن سلَّام الشامى، يكنى أبا عبد الله: يروى عن الأوزاعى، وعن سعيد بن عبد العزيز، ونظرائهما من الشاميين، وكانت الفتيا دائرة عليه بالأندلس أيام عبد الرحمن بن معاوية وصدرًا من أيام هشام ابن عبد الرحمن، وكان أول من أدخل الحديث الأندلس، وتوفى بها سنة ثمانين ومائة. تاريخ علماء الأندلس: ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>