للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عنده، واحتجاجهم برواية من روى ذلك عند خلافهم، وكذلك علمنا بالضرورة والخبر المتواتر إنفاد من يأتى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأوامره بأخبار رُسِله وتبليغ كتبه (١)، وكل هذا لا خفاء بصحته والعقل لا يُحيلُ التكليف بالعمل به، والشَرع لم يمنعه بل أوجبه (٢) وعَبَّرَ بعض المتفقهة ومن لم يحصّل لفظه بأنه يوجب العَمَلَ (٣)، وهو (٤) تجوَّز فى اللفظ، إذ الشىء لا يكون حُجة لوجوبه، وإنما تلقينا وجوب العمل به من سيرة السلف، وإجماعهم وأوامر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قدَّمنا، وتفريق من فرَّق بين العلم الظاهر (٥) والباطن فيه، فإن أراد بالظاهر غلبة الظن دون القطع فهو ما أردناه وصَوَّبناه، فهو خلاف فى عبارة.


(١) وذلك مثل بعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً إلى اليمن، وسيأتى قريباً إن شاء الله، وكذا علياً وعمرو بن حزم، وبعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عتاب بن أسيد إلى مكة، ومصعب بن عمير إلى المدينة. راجع الدراية ٢/ ١٦٥.
(٢) وذلك فى قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون} [التوبة: ١٢٢].
وجه الاستدلال: أن الله تعبَّدنا بقبول خبر كل طائفة خرجت للتفقه، ثم أنذرت قومها، وهذه صفة خبر الواحد؛ لأن الفرقة تقع على ثلاثة، والطائفة منها واحد أو اثنان. يدل عليه قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى قوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} [الحجرات: ٩، ١٠]، فأوقع على الأخوين اسم الطائفتين، وقال: {إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَة} [التوبة: ٦٦]. قال محمد ابن كعب القرظى: " كان هذا رجلاً واحداً ".
قال الكلوذانى: ثبت أن الطائفة تقع على الواحد. التمهيد ٣/ ٤٦.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين} [الحجرات: ٦].
وجه الدلالة: أن الله شرط فى التبيين والتثبيت كون المخبر فاسقاً، فبان من هذا أن خبر العدل لا تثبُّت فيه. التمهيد ٣/ ٥١.
أما عن كون العقل لا يحيل التكليف بالعمل به؛ وذلك لأنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد، وهى كثيرة جداً، ولا سبيل إلى القول بذلك، فإن وقائع الأحكام لم تتعطل.
ذكره الجلال المحلى فى شرحه لجمع الجوامع ٢/ ١٣٢.
وإيجاب العمل به بدليل العقل مع الشرع قال به ابن شريح والقفال من الأشاعرة، والبصرى من المعتزلة. وهو مذهب أحمد. منهاج العقول للبدخشى ٢/ ٢٨٠.
(٣) أى بغير لفظه له.
(٤) فى الأصل: وقد، والمثبت من ت.
(٥) فى ت: والظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>