للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٣ - (...) حدّثنى مُحَمدُ بْنُ حَاتِم، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَس، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أُرَى رَبَّنَا يَسْألُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فأُشْهِدُكَ، يَا رَسُولَ اللهِ، أنِّى قَدْ جَعَلْتُ أرْضِى بَرِيحَا للهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْعَلْهَا فِى قَرَابَتِكَ " قَالَ: فَجَعَلَهَا فِى حَسَّانَ ابْنِ ثَابِتٍ وَأبَىِّ بن كَعْبٍ.

٤٤ - (٩٩٩) حدّثنى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرو،

ــ

وقيل: فيه دليل على أن من حبس على مُعين، فمات ولم يذكر لها مرجعًا أنها ترجع إلى أقرب الناس بالمحبس، لصرف النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الأرض لما لم تكن لمعين، وإنما كانت لله للأقربين من المحبس؛ ولهذا يتوخى فى الحبس إذا لم يكن له مرجع الأقرب فالأقرب.

قال القاضى: وما قاله هذا فيه نظر؛ لأن أبا طلحة لم يقل: [إنها] (١) حبس ولا مرجوعة وإنما جعلها لله، فقد كان يصح بيعها فى السّبيل، أو تمليكها لمن يستحقها، وهو ظاهر قسمته لها بين أقاربه، وقد يحتمل أن تكون قِسْمةَ غلّةٍ، وتحبيس أصْل ووقف، وقد روى أنها بقيت وقفًا بأيدى بنى عمّه، وبه احتج غير واحدٍ على جواز تحبيس الأصول، خلافًا للكوفيين، وسنذكره فى موضعه، وفيه أن الأقربَ فألأقربَ أولى بالمعروف والصدقة لقول أنس فى كتاب البخارى: " فجعلها لحسّان وأبىّ، وكانا أقرب إليه منى " (٢).

وفيه أن القرابة وبنى العمومة تُراعى، وإن بَعُد اجتماعِهم فى النسب، إذ بَيْن أبى طلحة وبين حسّانَ وأبىّ آباء كثيرة، وإنما يجتمعان مع أبى طلحة فى عَمرو بن مالك بن النجار، وهو السابع من آبائهم.

وفيه صِحة التفويض فى الوكالة لقوله: " ضعه حيث شئت يا رسول الله "، وجواز قبول الوكيل ذلك وردّه لقوله عليه السّلامَ: " اجعلها فى الأقربين " فقسمها أبو طلحة. وإن كان إسماعيل القاضى قد رواه: " فقسمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وقد يجمع بين الروايتين: لما كان ذلك عن رأيه وأمره أضيف إليه. وفيه ما كان الصحابةُ عليه من المبادرة للخير، والحرص على امتثال أوامر الله وترغيبه فى البر، وفيه استعمالهم العموم، وفهمهم ذلك من الشرع، وتأويلهم كل محبوب فى قوله: {مِمَّا تُحِبُّونَ} (٣) قيل: وفيه جواز قسمة المالِ بين الشركاءِ، وجوازُ إعطاءِ المالِ الكثير من الصدقةِ للواحدِ من الناس وفى صنف واحد من أهل الصدقة.


(١) من س.
(٢) البخارى، ك الوصايا، ب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب ٤/ ٧.
(٣) آل عمران: ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>