للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمْرَةٍ " قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا. بَلْ قَدْ عَجَزَتْ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَىْءٌ. وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ".

ــ

قوله {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} (١).

وقوله: " حتى رأيت كومين من طعامٍ وثياب ": كذا قيده بعضهم بفتح الكاف، وقيده آخرون بضمها، قال أبو مروان بن سراج: هو بالضم اسم لما كوِّمَ الكومَة، وبالفتح المرة الواحدة، والكومة: الصُّبرة (٢)، والكوم: العظيم من كل شىء، والكوم: المكان المرتفع كالرابية وشبهها، فالفتح هنا أولى فى الحديث؛ لأنه إنما قصد الكثرة والصبرة والتشبيه بالرابية.

وقوله: " فرأيت وجَه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَّللُ كأنه مُذْهبةُ " فيه وجهان: أحدهما: أنه أراد فضة مذهبةُ، كما قال: كأنها فضةُ قد مَسّهَا ذهب " يعنى لحسن وجهه ونوره وإشراق ماء السرور فيه، والوجه الثانى: أنه شبهه أيضًا فى حسنه بالمُذْهبة من الجلود، وجمعها مذاهب، وهى شىء كانت تصنعه العرب من جلود، وتجعل فيه خطوطًا [مذهبة] (٣) يرى بعضها إثر بعضٍ، وفيه يقول الشاعر:

أتعرف رسمًا كالطراء المذاهب

وسروره - عليه السلام - هنا لوجهين: أحدهما: لما ظهر من إجابة المسلمين له وبذلهم أموالهم فى الله، وجودهم بالصدقة، والثانى: لما فتح الله بذلك على هذه الدافة العراة المحاويج (٤).

قال الإمام: وقوله: " من سن سنة حسنة فى الإسلام فله أجرها، وأجر من عمل


(١) النساء: ١.
(٢) فى الأبى: الصرة، والمثبت من الإكمال.
(٣) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.
(٤) فى س: المجاويع.

<<  <  ج: ص:  >  >>