للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو لم يلقه: حدثنا فيما كتبه لى، وحدثنا كتابةً ومن كتابه، وحدثنا فيما أطلق لى الحديث به (١)، والتمييز بين الإجازة وبين السماع أولى للخلاف فى صحتها والعمل بها، وهو الذى شاهدته من أهل التحرى فى الرواية ممن أخذنا عنه، فقد اختلف فى الإجازة والعمل بها دون قراءة ولا سماع ولا دفع كتاب، وتُنُوزع فيها، فالمشهور عن عامَّة الفقهاء والمحدثين جوازها، كالزهرى ومنصور بن المعتمد وأيوب السختيانى وسعيد بن الحجاج وربيعة وعبد العزيز بن الماجشون والأوزاعى والثورى وابن عيينة والليث، وأباها بعض أهل الظاهر وحكى ذلك عن الشافعى، وروى الوجهان عن مالك، والجواز عنه أشهر، وهو مذهب أصحابه من أهل الحديث وغيرهم، وظاهر رواية الكراهة عنه لمن لا يستحقها لا لنفسها (٢). وقال أحمد بن مُيَسَّر (٣) من أئمتنا: " الإجازة عندى خير من السماع الردىء ". واختلف من أجازها فى وجوب العمل بها، فالجمهور على وجوبه كالسماع والقراءة (٤)، وقال قوم من أهل الظاهر: لا يجب عمل بما رُوِىَ بها (٥)، والمناوَلةُ أقوى درجة منها، وهو الذى يسميه بعضهم العرض، وهو أن يُحضِر الشيخ بعض حديثه أو بعض كتبه أو يكون عند الطالب ويقول له: هذا سماعى من فلان فاحمله عنى أو أجزتُها لك، فيذهب


(١) قال الخطيب: واختلفوا فى العبارة بالتحديث بها، فقال مالك: قل فى ذلك ما شئت من حدثنا أو أخبرنا، وقال غيره: قل: أنبأنا، وهو مذهب الأوزاعى، وروينا مثله عن شعبة، وقال آخرون: يقول: أجاز لى وأطلق لى التحديث. لا غير. الكفاية: ٤٧٤.
(٢) فقد جاء عنه لصحة اعتبارها عنده أن يكون المجيز عالماً بما يجيز، ثقة فى دينه وروايته، معروفاً بالعلم، والمجاز به معارضاً بالأصل حتى كأنه هو، وأن يكون المجاز له من أهل العلم، أو متسماً بسمته، حتى لا يوضع العلم إلا عند أهله.
وشرط ابن عبد البر أن يكون المجاز له ماهراً بالصناعة، حاذقاً فيها، يعرف كيف يتناولها، وأن تكون فى ما لا يشكل إسناده. مقدمة: ٢٧٦، فتح المغيث ٢/ ٩٥.
(٣) أحمد بن مُيَسَّر هو: أحمد بن محمد بن خالد بن ميَسَّر، كنيته أبو بكر الإسكندرانى، كان فقيه الإسكندرية، وأفقه من يقول بقول مالك فى زمانه. توفى سنة تسع وثلاثمائة. ترتيب المدارك ٥/ ٥٢.
قلت: وقد ادعى أبو الوليد الباجى المالكى الإجماع فى جواز الرواية بها، وهو منتقض بما ذكرنا. راجع: إرشاد ١/ ٣٧١.
(٤) قال الخطيب: " وهذا قول الدهماء من العلماء ". وقال السخاوى: " لأنه خبر متصل الرواية فوجب العمل به كالسماع ". الكفاية: ٤٤٦، فتح المغيث ٢/ ٦٦.
(٥) وحجتهم فى ذلك أنها جارية مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل، وقد رد الخطيب عليهم بقوله: " اعتلال من لم يقبل أحاديث الإجازة بأنها تجرى مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل فغير صحيح، نعرف المجيز بعينه وأمانته وعدالته، فكيف يكون بمنزلة من لا نعرفه ". الكفاية: ٤٥٦.
وقال ابن الصلاح: وهذا باطل لأنه ليس فى الإجازة ما يقدح فى اتصال المنقول بها، ولا فى الثقة به. مقدمة: ٢٦٤. زاد السخاوى: بخلاف المرسل فلا إخبار فيه البتة. فتح المغيث ٢/ ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>