للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأمّ من بعض طُرق ابن ماهان: " يتفقرون " بتقديم الفاء، ورويناه من طريق ابن الأعرابى فى المُصنَّف: " يتقفَّون " بلا راء، وكلٌّ صحيح متقاربُ المعنى، وقد فسَّر الشارحون -الهروى والخطابى وغيرهما- الرواية الأولى بما حكاه الإمام، أى يطلبونه ويتبعُونَه، ومنه حديث شريح: " إنما اقتفر الأثر " (١) أى أتبعه. ومثله رواية من روَى: " يَتَقفَّونَ ". قال الهروى: قفوتُه وقفيتُه: اتبعت أثره، ومنه سموا القافة، قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم} (٢)، وحكى ابن دريد فى الجمهرة: التقفير: جمعك الشىء، قفرته تقفيراً، فمعناه على هذا: تجمعونه، وأما من رواه: " يتفقرون " بتقديم الفاء فصحيح أيضاً، وهو عندى أشبه [ببساط] (٣) الحديث ونظم الكلام، ومراده أنهم يُخرجون غامِضه ويبحثون عن أسراره، ويفتحون مغلقه، ومنه قول عمر -وذكر امرأ القيس فقال-: افتقر عن معَان عُوْرٍ [أصَحَّ بَصَرٍ] (٤).

قال الهروى: أى فتح عن معان غامضة، فلما كان هؤلاء القوم فى طلب العلم [وصحة] (٥) القرائح وتدقيق النظر بهذه الصفة، ثم قالوا تلك المقالة المبتدعة المستشنعَة استُعظِمت منهم، بخلاف لو سمعت من غيرهم من الجهلة، ألا تراه كيف وصفهم بما تقدَّم فَقال: يقرؤون القرآن ... وذكر من شأنهم (٦) ما ذكر؟! يُريد وصفَهم بالذكاء


(١) غريب الحديث للخطابى ٢/ ٣٩٣.
(٢) الحديد: ٢٧، وجاءت فى النسخ " وقفينا على آثارهم "، وانظر: الفائق ٣/ ٢١٤، النهاية ٣/ ٤٦٤، ٤/ ٩٠.
(٣) من ق.
(٤) رسمت فى ق: أفج بقر، وانظر: النهاية ٣/ ٤٦٤.
وهذا القول من عمر قاله للعباس -رضى الله عنهما- حين سأله عن الشعراء قال: امرؤ القيس سابقهم، خَسَفَ لهم عن عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصحَّ بصر. فخسف من الخسيف، وهى البئر تحفر فى الحجارة، فيخرج منها الماء الكثير.
قال أبن رشيق: ومعنى عور -بضم العين- يريد أنه يمانى النسب، نزارى الولد، واليمن ليس لها فصاحة نزار. ومع ذلك فقد ابتكر معانٍ عوراً فتح عنها أصح بصر، قيل: ولم يسبق الشعراء؛ لأنه قال ما لم يقولوا، ولكن سبق إلى أشياء استحسنها الشعراء، فتبعوه فيها. إكمال الإكمال ١/ ٥٤.
(٥) من ق.
(٦) هذا من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر، والظاهر أنه من ابن بريدة الراوى عنه مباشرة، والمحذوفُ هنا هو المفعول، حذف تعظيماً له بالإبهام، أى ذكر من شأنهم فى البحث عن العلم واستخراج غوامضه شيئاً عظيماً، أو الحذف كان للتعميم لتذهب النفس فيه كل مذهب ممكن. أو يكون الغرض من الحذف صون اللسان عن حكاية ما قالوا، ويكون المعنى: وذكر من شأنهم فى نفى القدر والابتداع فى العقائد ما يجب أن يصان اللسان عن ذكره.
قال السنوسى: وعلى كلٍّ ففائدة وصفهم بالاجتهاد فى العلم والتوسع فيه الموجب لهم القدوة وتقليد الغير، المبالغة فى استدعاء ابن عمر -رضى الله عنهما- لاستفراغ الوسع فى النظر -فيما يزعمون- لأن أقوال الأغبياء قد لا يهتبل العلماء بشأنها، ويكتفون فى ردها بأدنى نظر، فجواب ابن عمر -رضى الله عنهما- بعد تلك الأوصاف من أثبت شىء وأحقه.
قال. وقد يكون الغرض فى ذكر ما وصفهم به من العلم، وكونهم مع ذلك يزعمون ما يزعمون، إظهار =

<<  <  ج: ص:  >  >>