للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُدُّوهُ عَلَىَّ "، فَالتُمِسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا جِبْرَيلُ أَرَادَ أَنْ تَعلَّموا إِذ لَمْ تَسْأَلُوا ".

ــ

بالبصرة " (١)، وفيه فَزَعُ السلف فى الأمور الطارئة عليهم فى الدين إلى ما عند أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ هم الذين أُمرنا بالاقتداء بهم، ولما عندهم عنه فى ذلك من علم وأثر، ولهذا نقل مالك فى جامعه من قول الصحابة فى هذا ما نقل. وفيه من حسن أدب المُتعلم مع العالم وتوقيره ما ذكر من صفته جِلسَة السائل، ويُستدل منه أن جبريل -عليه السلام- كان يأتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحياناً فى صورة لم يعهدها ولا يحصُلُ [له] (٢) علم بأنه جبريل لأول وهلة، وهو دليل ظاهر هذا الحديث.

ولقوله: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " وسيأتى الكلام بَعْدُ على صور الملائكة وذواتهم إن شاء الله.

وقوله: " رُدُّوا علىَّ الرجُل ": قد يحتمل علمهُ به عليهما السلام، لكن لم يُعْلِم به الناس لحكمة الله فى ذلك، ويكون قوله: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " إمَّا لأن أمرهَا أيضاً يخفى عن جبريل، أو (٣) المراد به السامعونَ، ويكون قوله: " رُدُّوا علىَّ الرجُلَ " ليتحققوا بتلاشيه (٤) أنه ليس بآدمى، والتأويل الأول أصح؛ لأنه قد جاء فى صحيح البخارى التصريح بأنه لم يدر أنه جبريل.

وقوله: " وسأحدثك عن أشراطها " (٥): أى علاماتها، واحدها شرط، قال أبو جعفر الطبرى: ومن سُمى الشَّرُط لجعلهم لأنفسم علامة يعرفون بها، وقيل: أشراطها مقدماتها وأشراطها الأشياء أوائلها، ومن ذلك يُسمى الشَّرَطَان لتقدُمها أول الربيع (٦)، وقيل: الأشراط جمع شُرْطٍ وهو الدون من كل شىء، فأشراط الساعة صغار أمورها قبل قيامها، ولهذا يُسمى الشرط.


(١) هذا رجوع منه عما سبق من تكفيره لهم بهذه الأشنوعة. وقوله. بالبصرة، إما أن تكون على الحال من معبد، إذا كان معبد أول من قال ذلك على الإطلاق، وتكون على البدل من القدر، إذا كان معبدُ قد سبق بهذا القول. فقد قالوا: احترقت الكعبة وابن الزبير محصور بمكة من قبل يزيد، فقال أناسٌ: احترقت بقدر الله تعالى، وقال أناس: لم تحترق بقدر الله، وهو أول يوم قيل فيه بالقدر. إكمال الإكمال ١/ ٥١.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) فى ت: و.
(٤) فى ت: بتلايشه.
(٥) إذا ورد حديثان فى معنى بطريقين بينهما تناف، فلا بد من الجمع بين الطريقين، وطريق الجمع: إن اتحد المواطن أن يذكر وجه يناسب، وإن تعدد المواطن فالجمع بأن يذكر أيضاً وجه يناسب، أو يقال: إنه ذكر فى موطن ما لم يذكر فى آخر.
وعلى هذا، ففى هذا الحديث كان المبتدئ بالسؤال فى الحديث الأول جبريل، وهنا كان المبتدئ بالبيان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويجمع بينهما بأن يكون جبريل -عليه السلام- ابتدأ فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سأحدثك " فذكر فى الأول السؤال وفى الثانى الجواب. إكمال الإكمال ١/ ٧٥.
(٦) جاء فى اللسان: والشَّرَطان نجمان من الحمل، يقال لهما: قرنا الحَمل، وهما أول نجْمٍ من الرَّبيع، ومن ذلك صار أوائلُ كُلّ أمر يقع أشراطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>