للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَال: فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ، آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَال: وَزَعَم رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَال: " صَدَقَ " قَالَ: ثُمَّ وَلَّى. قَالَ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلا انْقُصُ مِنْهُنَّ. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ".

١١ - (...) حدَّثنى عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِىُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ؛ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُهِينَا فِى الْقُرْآنَ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَىْءٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.

ــ

أراد الاستثبات وكشف الأمر، فلما كان فى أثناء ذلك ظهر له من دلائل النبَّوة ما ثبَّت له اليقين، ويصحح الإيمان والمعرفة، ألا تراه كيف استثبت فيمن خلق الأرض والسماء ونصب الجبال، وهذا أقوى طُرق الحجة على إثبات الصانع. وظاهر الحديث أنه لم يأت إلا بعد إسلامه وإجابته، وإنما جاء [مستثبتاً] (١) ومشافهاً للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدليل (٢) أنه لما فارقه إنما التزم ألا يزيد ولا ينقص، لكن جاء فى صحيح البخارى أنه قال فى آخر الحديث (٣): " آمنتُ بما جئت به وأنا رسول من ورائى ... "، والكلُ محتمل للوجهبن، وقد قال الحاكم أبو عبد الله: هذا الحديث دليل على الرحلة فى علو الإسناد، إذ لم يُقْنِع هذا البدوىَّ ما سمعه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما بلغه حتى رحل بنفسه إليه وسمع منه، قال: ولو كان طلبه غير مستحب لأنكر -عليه السلام- سؤاله إياه عما أخبره به رسولُه عنه، وأمره بالاقتصار على ما سمع منه (٤).

قال القاضى: ولا حجة له فى هذا؛ لأن الرجل فعل ما يجب عليه ورغب عن الاقتصار على غلبة الظن ممَّا أخبره به الرسول عن النبى -عليه السلام- من الشرائع الذى يمكن للمبلغ أن يغلط فيها ويهم، ويدخل عليه الآفات، وحرص على اليقين بسماعه من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذى لا يجوز عليه الوهم فى باب التبليغ، وقد تقدّم الكلام فى علو الإسناد، قبل مع ما كان يجب من الهجرة والرحلة على المسلمين إلى النبى -عليه السلام- أول الإسلام، ويتعين عليهم من لقائه والتبرك برؤيته.

وقوله: " كُنَّا نُهينا أن نسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وقوله فى الحديث قبله: " سلونى


(١) غير واضحة فى الأصل، والمثبت من ت.
(٢) فى الأصل: وقيل، والمثبت من ت.
(٣) راجع حديث شريك فى تعليقنا السابق.
(٤) عبارة الحاكم فى المعرفة عقب سياقه لجزءٍ من هذا الحديث: احتج شيخ الصنعة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى -رحمه الله- فى كتاب العلم من الجامع الصحيح بهذا الحديث، فى باب العرض على المحدث ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>