للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَجٍّ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ ". قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهَا -: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِى، وَأَمْتَشِطَ، وَأَهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ العُمْرَةَ. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا قَضَيْتُ حَجَّتَى، بَعَثَ مَعِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ

ــ

يتأول قول من قال: إنه متمتع، أى تمتع بالعمرة فى أشهر الحج، بفعلها مع الحج؛ إذ لفظة (١) المتعة بالعمرة تنطلق (٢) على معانٍ كثيرة عند العلماء، سنذكرها بعد، فتجمع (٣) الأحاديث وتأتلف على هذا، ولا يبعد رد ما جاء عن الصحابة فى فعل ذلك إلى مثل هذا مع الروايات الصحيحة أنهم أحرموا بالحج، فيكون الإفراد لما فعلوه أولاً، والقران لمن اعتمر ممن معه هدى وأردف عمرته على الحج والتمتع، لفسخهم الحج فى العمرة، ثم إهلالهم بالحج بعد التحلل منها، كما فعله كل من لم يكن معه هدى، والله أعلم بالصّواب. وقد قال بعض علمائنا: إنه - عليه السلام - أحرم منتظراً ما يؤمر به من إفراد أو تمتع أو قرانٍ؛ إذ كان أمر بالآذان بالحج مطلقاً، كما ذكرناه عن أحمد بن نصر الداودى وأبى سليمان الخطابى، وحديث جابر [بن عبد الله] (٤)، قالوا: فأحرم بالحج مفرداً لظاهر أمر الله به له، فنقل ذلك عنه من سمعه حينئذ، ثم زاد فى تلبيته ذكر العمرة، ولعل ذلك لقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} (٥)، فنقل ذلك عنه من سمع القرآن هنا تلبية أيضاً ولم يسمع ما قبله، ثم جاءه الوحى بالعقيق على ما جاء فى الحديث الصحيح بقوله: " صل فى هذا الوادى المبارك، وقل عمرة فى حجة " (٦)، فنقل التمتع عنه من نقله، ولعل من نقل القران نقله من هذا اللفظ، وما تقدم قبل أبين وأحسن فى التأويل، والله أعلم.

قال الإمام: وأما قوله لعائشة: " وأهلى لحج واتركى العمرة ": فقيل: ليس المراد هاهنا بترك العمرة إسقاطها جملة وإنما المراد ترك فعلها مفردة، وإرداف الحج عليها حتى تصير قارنة، ويؤيد هذا أن فى بعض طرقه: " وامسكى عن العمرة "، ويؤيده - أيضاً - أنه - عليه السلام - ذكر بعد هذا أنه قال لها يوم النفر (٧): " يسعك طوافك لحجك وعمرتك " فأتت، فأمرها - عليه السلام - أن تمضى مع [عبد الرحمن أخيها] (٨) فتعتمر، فإن عُورضنا فى هذا التأويل بقوله فى آخر الحديث لما مضت مع أخيها: " هذه مكان


(١) فى س: لفظ.
(٢) فى س: ينطلق.
(٣) فى س: فتجتمع.
(٤) من س.
(٥) البقرة: ١٩٦.
(٦) البخارى، ك الحج، ب قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العقيق وادٍ مبارك " ٢/ ١٦٧.
(٧) فى س، ع: النفرة.
(٨) ثم فى س: أخيها عبد الرحمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>