للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ بِهَذَا الَّذِى يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ــ

والمشاة، وقد اختلف العلماء أيهما أفضل؟ فذهب مالك والشافعى فى آخرين إلى أن الركوب أفضل؛ لأنه الذى فعله النبى - عليه السلام - ولفضل النفقة فيه، ولأن فى راحة جسمه [من تعب المشى] (١) توفيراً على إقامة وظائف [مناسك الحج، والصبر على استيعابها. قال بعضهم: ولما فيه من تعظيم شعائر الحج بأبَّهة الركوب فى تلك] (٢) المناسك. ولا خلاف بينهم أن الركوب فى الوقوف بعرفة أفضل لما ذكرناه، وذهب غيرهما إلى أن المشى أفضل؛ لما فيه من المشقة على النفس، ولأنها عبادة فى نفسها. وقد اختلف على هذا فى الراحلة، هل هى شرط فى الاستطاعة أم لا؟ فذهب أكثرهم على أنها القدرة على الحج على العموم، إما بنفسه إن قدر على المشى، أو بالراحلة إن لم تكن ممن تقدر على المشى مع الزاد ووجود السبيل. والاستطاعة فى اللغة: القدرة، وهو قول مالك فى كافتهم، وذكر (٣) عن جماعة من السلف أن الاستطاعة: الزاد والراحلة، وهو قول أبى حنيفة والثورى وأحمد وإسحاق، وبه قال الشافعى (٤). فلم يروا على من لا يملك راحلة حجاً، وإن قدر على المشى؛ لما فيه من المشقة، وأنه ليس من الاستطاعة، وأن الاستطاعة هنا بالمال، قاله مرة لمن قدر على هذا، وإن لم يستطع الركوب يستأجر عنه من يحج عنه، وسيأتى [تمام] (٥) الكلام على هذا، وقد تأول القاضى إسماعيل ما جاء عن السلف من هذا التغليظ لمن ترك الحج بعد قدرته على الزاد والراحلة.

وقوله: " فأهلّ بالتوحيد ": إشارة إلى قوله: " لا شريك لك "، ومخالفة لقول المشركين فى تلبيتهم، وقد تقدّمت، وتقدم الكلام على تفسير التلبية.

وقوله: " وأَهَلَّ الناس بهذا الذى يهلون به، فلم يردّ [عليهم] (٦) رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم شيئاً منه ": إشارة إلى ما رُوى من زيادة الناس فيها فى الثناء على الله والذكر، كما روى فى ذلك عن عمر، وذلك أنه كان يزيد: " لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرهوباً منك ومرغوباً إليك "، وعن ابن عمر " لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل "، وعن أنس: " لبيك حقاً تعبداً ورقاً ".

والاستحباب عند أكثر العلماء أن تلبى بما لبى به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال مالك: وإن اقتصر عليها فحسن، وإن زاد فحسن. وقال الشافعى: الأفضل الاقتصار عليها إلا أن يزيد


(١) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش.
(٢) سقط من س.
(٣) فى س: روى.
(٤) انظر: الاستذكار ٢/ ٥٩.
(٥) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.
(٦) زائدة فى س.

<<  <  ج: ص:  >  >>