وقوله:" فحل الناس كلهم وقصّروا إلا النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن كان معه الهدى ": دليل على ما تقدم من أنهم كانوا مفردين، وفسخوا فى عمرة إلا من كان معه الهدى، ولو كانوا قارنين لم يمكنهم الإحلال. وفيه الإخبار بالعموم عن الأكثر، وقد صحت الأخبار أن عائشة لم تحلّ لعذرها المذكور، ولم تكن ممن معه هدى.
وقوله:" فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ": يوم التروية - وهو اليوم الثامن من ذى الحجة - سمى بذلك لأن قريشاً كانت تحمل الماء من مكة إلى منى تسقيهم وتطعمهم فيرووا منه وهذا هو المستحب عند كثير من العلماء، ليكون إحرامهم متصلاً بسيرهم، وتلبيتهم مطابقة لمبادرتهم للعمل. واستحب بعضهم أن يكون ذلك أول هلال ذى الحجة ليلحقهم من الشعب إلى وقت الحج ما لحق غيرهم، والقولان عن مالك، وقد تقدم. وورد فى بعض طرق حديث جابر:" أهللنا من البطحاء "، وأجمع العلماء أن مُهلَّ أهل مكة من مكة بالحج، وقد تقدم هذا، وقد تقدم فى المواقيت الكلام على من أهلّ بالحج من مكة من أهلها، أو غيرهم من المتمتعين بها، والخلاف فى وقت استحبابه وموضعه، واستحباب مالك أن يكون من المسجد. وفيه أنه لا يتقدم إلى منى قبل يوم التروية، وقد كره ذلك مالك وأباحه غيره، واستحب مالك أن يكون خروجه إلى منى قدر ما يصلى، فيصلى بها الظهر.
وذكر صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر بمنى، فيه سنة هذه الصلوات بمنى، والمبيت فيها وهو مستحب عند جميع العلماء، ولا حرج عليهم فى تركه. وفيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمرهم بطواف قبل الخروج، وأن ذلك غير لازم، ولو كان لأمرهم به - عليه السلام. وقد ذهب جماعة من العلماء إلى استحبابه.
وقوله:" ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس فأمر بقيّة من شعر فضربت بنمرة فسار ": فى هذا أن السنة فى الخروج من منى هذا الوقت بعد طلوع الشمس، وفيه جواز