أقيمت الصلاة ": توهم لفظة: " لم يسبغ " أن الأول لم يكن وضوءاً للصلاة، وكذلك تأوله بعضهم، وقيل: بل وضأ بعض أعضاء وضوئه، وليس كذلك بل كان وضوؤه الأول للصلاة، ثم توضأ آخراً بالمزدلفة لعذر طرأ عليه، وليس يقال فى الاستنجاء: وضوءاً خفيفاً، ولا: ليس بالبالغ. ومعنى " لم يسبغ ": أى لم يكرره، وقد يكون وضوؤه بالمزدلفة لتمام الفضيلة بتكراره، وتمام عدده ثلاثاً - والله أعلم - ويدل على أنه وضوء للصلاة قوله: " ذهب إلى الغائط، فلما رجع صببت عليه من الإداوة فتوضأ وخففه " ليكون على طهارة أو لاستعجاله، فلما أتى مزدلفة أتم فضيلته بالتكرار، أو ابتدأ فرضه لحدث اعتراه - والله أعلم - ولا وجه لقول من قال: إنه توضأ وضوءين ليخص كل صلاة من الصلاتين التى جمع بعد بالمزدلفة بوضوء، على عادته من الوضوء لكل صلاة. إذ تكرار الوضوء قبل أداء فريضة به ممنوع، ومن السرف المنهى عنه، إنما الفضيلة فى تكراره بعد صلاة فرض به.
وقوله: " فبال، وما قال: أَهَرَاقَ الماء ": إشعار بما يراده الحديث، كما سمعه بلفظ محدثه إياه، وأنه لم يورده بمعناه.
وقوله: " الصلاة أمامك "، قال الإمام: اختلف عندنا فيمن صلى تلك الليلة الصلاتين فى وقتهما، هل يعيد إذا أتى المزدلفة أم لا؟ فقيل: يُعيد لهذا الحديث، وقيل: لا يعيد؛ لأن الجمع سُنة وذلك إذا ترك لا يوجب الإعادة، ولا يتوجه مثل هذا الخلاف فيمن ترك الجمع بين الظهر والعصر بعرفة؛ لأن المصلى للمغرب ليلة المزدلفة لما صلاها قبل الشفق صار كمن صلاها قبل وقتها، فإنه يعيدها فى وقتها، والذى أخر صلاة العصر يوم عرفة ولم يصلها مع الظهر، إن كان تركها بعد وقتها فصلاته لها بعد ذلك قضاء، فلا معنى لأن يقال له: صلها ثانيةً، كما قيل فى المغرب.
قال القاضى: وقد قدمنا الكلام فى هذه المسألة بأشبع من هذا فى حديث جابر، وكذلك على قوله: " جمع بمزدلفة بين المغرب والعشاء بإقامةٍ واحدةٍ ".
وقوله: " فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره فى منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها " (١): هذا سنة العمل عند العلماء اقتداء بفعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يؤخر حط الرحال حتى تصلى المغرب.