للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٠٢ - (...) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى سُليْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَمَّا احْتَرَقَ البَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ المَوْسِمَ، يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ - أَوْ يُحَرِّبَهُمْ - عَلى أَهْلِ الشَّامِ، فَلمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلىَّ فِى الكَعْبَةِ، أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِى بِنَاءَهَا، أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّى قَدْ فُرِقَ لِى رَأَىٌ فِيهَا، أَرَى أَنْ تُصلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا، وَتَدَعَ بَيْتًا أَسلمَ النَّاسُ عَليْهِ، وَأَحْجَارًا أَسْلمَ النَّاسُ عَلَيْهَا،

ــ

وقوله: " لما احترق البيت زمان يزيد بن معاوية حين غزاه أهل الشام، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم ": يريد أن يجرئهم على أهل الشام أو يحزبهم، كذا لابن أبى ... (١) سعيد والفارسى، وغيرهما فى الأول: " يجرئهم " بالجيم والراء وهمزة بعدهما من الجرأة، أى شجعهم عليهم بإظهار قبيح أفعالهم. ورواه العذرى: " يجربهم " بالباء مكان الهمزة، ومعناه: يختبر ما عندهم فى ذلك من حمية وغضب لله وبيته، وعندهم كلهم فى الحرف الثانى: " يحربهم " بالحاء المهملة والراء والباء بواحدة، ومعناه: يغضبهم بما رأوه فُعل بالبيت، من قولهم: حزبت الأسد، وأسد محزّب، وقد يكون معنى " يحربهم " يحملهم على الحرب، ويحضهم عليها، ويؤكد عزائمهم منها لذلك، ورواه غير هؤلاء فى الحرف الثانى: " أو يحزبهم " بالحاء المهملة والزاى والباء بواحدة، ومعناه: أى يشد منهم، ويثبت عزائمهم عليهم ويمالئهم على حربهم، من قولهم: أمر حزيب، أى شديد، أو يكون: " يحزبهم ": يميل بهم إلى نفسه ونصرته فحزب الرجل من مال إليه، وتحازب القوم: تمالؤوا.

وشورى ابن الزبير كافة الناس فى نقضها وبنائها ما يلزم الأمور العامة والقصص العظيمة التى لا تخص وتعم من المشورة، وألا يستبد بها ذو أمر بأمر، وقد أمر الله تعالى بهذا نبيه، ورأى ابن عباس أن تترك على ما هى، ويرم ما فسد ولا تنقض، اقتداء بما كان - عليه السلام - رآه أيضاً من تركها على ما وجدها عليه، وترجيح ابن الزبير رأيه فى نقضها بعد الاستخارة لاختلاف الصحابة عليه فى ذلك، واعتماد على ما ذكره النبى - عليه السلام - لعائشة من حرصه على ذلك: " لولا حدثان قومها بالكفر فتنفر قلوبهم "، وإذنه فى الرواية الأخرى لهم فى ذلك إن بدا لهم أن يبنوه، وأنه ليس عنده من النفقة ما يقوى به على بنائه، وأن العلتين قد زالتا لاستقرار الإسلام وفناء تلك الجهالة القريبة العهد بكفر وتمكن الإسلام ممن بقى منهم وفتح الله على المسلمين، ووجد ما ينفق فيها.


(١) فى المخطوطة بياض، وهو صاحب نسخة لصحيح مسلم. راجع: مقدمتنا لهذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>