للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَأَنَا اليَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ، وَلسْتُ أَخَافُ النَّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيه خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، حَتَّى أَبْدَى أُسا نَظَرَ النَّاسُ إِليْهِ، فَبَنَى عَليْهِ البِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الكَعْبَةِ ثَمَانِىَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا، فَلمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ، فَزَادَ فِى طُولِهِ عَشَرَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلَ لهُ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ. فَلْمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ ابْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ البِنَاءَ عَلى أُسٍّ نَظَرَ إِليْهِ العُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَكَتَبَ إِليْهِ عَبْدُ المَلِكِ: إِنَّا لسْنَا مِنْ تَلطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِى شَىْءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِى طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ البَابَ الذِى فَتَحَهُ، فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ.

ــ

وقوله: " تتابعوا فنقضوه " ضبطنا هذا الحرف على أبى بحر وحده، " تتابعوا " بالتاء باثنتين تحتها، وعند غيره بالباء بواحدة، وهو بمعنى واحد، إلا أنه أكثر ما يُستعمل الياء باثنتين تحتها فى الشر خصوصاً، وليس هذا موضعه.

وقوله: " فنقضوه - يعنى البيت - حتى بلغ الأرض، فجعل [ابن] (١) الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه ": صنع ذلك ليصلى الناس إلى تلك الستور وتكون قبلة لهم؛ إذ المقصود بالاستقبال البناء لا البقعة، ولو كان المقصود البقعة لاتفقوا على جواز الصلاة فى الكعبة وعلى استقبال الحجر مجرداً، وقد كان ابن عباس أشار عليه نحو هذا وقال له: إن كنت هادمها فلا تدع الناس بلا قبلة (٢)، فقال له جابر: صلوا إلى موضعها فهى القبلة. وقد أجاز الشافعى الصلاة على هذه السبيل أن يصلى فى أرض الكعبة ويجزئه (٣). وكذلك يجىء على قوله: " يجزئه أن يستقبل أرضها ". وتحديده - عليه السلام - أن يدخل من الحجر خمسة أذرع، وفى الرواية الأخرى: ستة أذرع، تحديد بين لمقدار ما فى الحجر من الكعبة.

وقول عبد الملك: " لسنا من تلطيخ ابن الزبير فى شىء " يريد بذلك العيب لعمله، يقال: لطخت فلاناً بأمر قبيح، ورجل لطيخ: قذر.


(١) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش.
(٢) إتحاف الورى بأخبار أم القرى ٢/ ٧٠.
(٣) التمهيد ١٥/ ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>