للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِهَابٍ، حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الفَضْلِ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ:

ــ

وقد اتفقوا أنه لا يلزم المريض والشيخ والضعيف ومن لا يقدر على مشى الحج بنفسه؛ إذ ليس بمستطيع لهذا، وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (١)، وقد قال - عليه السلام -: " لا تحل الصدقة لغنى، ولا لذى مرة سوى " (٢)، فقد ألحق صحة الجسم بوجود المال، وقال تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِر} (٣). ثم اختلفوا بعد إذا عجز لجسمه، كالشيخ الهرم ومن لزمته علة، أو خفت أعضاؤه عن الركوب والمشى، وهذا هو المعضوب وله مال، هل تلزمه الاستنابة فى الحج عن نفسه على ما تقدم؟ فمالك لا يوجبه (٤)، ومعظمهم يوجبونه؛ أخذاً بظاهر الحديث، وأن الاستطاعة بالمال استطاعة، فيحج غيره عن نفسه ممن يطيقه لذلك بأجر أو بغير أجر، فإذا وجد ذلك وقدر عليه وجب عليه الحج. وهذه النيابة عنه، وهذا مذهب (٥) الشافعى ومن شايعه، وأبو حنيفة (٦) وغيره يقول: إذا لم يجد ما يكرى به من يحج عنه لم يلزمه، وإن تطوع له به متطوع من ولدٍ أو غيره.

ثم اختلفوا إذا صح هذا المعضوب وقد حج عنه، فجمهور هؤلاء أنه يستأنف الحج ولا يجزئه تلك النيابة، وقال أحمد وإسحاق (٧): يجزئه ذلك، وإذا أوصى بها وهو ضرورة كانت عند مالك وأبى حنيفة من ثلثه، وعند الشافعى من رأس ماله. وقد قلنا: إنه لا ظاهر فيه للوجوب، وأن قولها: " فريضة الله على عباده أدركت أبى " حين فُرض الحج على عباده المستطيعين كان أبى بصفة من لم يُفرض عليه من عدم الاستطاعة، وما فى الرواية الأخرى: " إن أبى شيخ كبير، عليه فريضة الله فى الحج، وهو لا يستطيع أن يستوى على ظهر بعيره "، فقد قلنا: إن الرواية الثانية بقوله: " على عباده " تبين هذا الإشكال وترفعه، وقيل: يحتمل أنها ظنت أن ذلك يجب عليه، وقيل: يحتمل أن يكون على ظاهره، وأنه كان حين فرض الحج ممن يستطيع، وهو الآن ممن لا يستطيع. وقد اختلف فى فرض الحج متى كان؟ فقيل: سنة خمس، وقيل: سنة تسع، وإذا احتمل هذا لم يكن فى قولها ذلك، وإقرار النبى - عليه السلام - لها عليه حجة للمخالف، ومما استدلوا به قوله فى كتاب مسلم فى الحديث الآخر: " أرأيت لو كان على أبيك دين


(١) الحج: ٨٧.
(٢) أبو داود، ك الزكاة، ب من يعطى من الصدقة وحد الغنى ١/ ٣٧٩، والنسائى، ك الزكاة، ب إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلهم ٥/ ٩٩، وابن ماجه، ك الزكاة، ب من سأل عن ظهر غنى ١/ ٥٨٩.
(٣) الحج: ٢٧.
(٤): (٦) انظر: الاستذكار ١٢/ ٦٢، ٦٣.
(٧) انظر: المغنى لابن قدامة ٥/ ٢١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>